والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا
* * *
في هذا النص السادس تحذير للمؤمنين من هؤلاء الذين أوتوا حظا من الكتاب، وهم يطلبون الضلالة ويبتغونها لأنفسهم وللمؤمنين؛ لأنهم يحسدونهم، ولأنهم يريدون لهم الخذلان والضلال وأن يكونوا قوما بورا! وقد أشار بالنص الكريم إلى أنهم أعداء المؤمنين، وإن كانوا يخفون ما لا يبدون؛ ولذا قال سبحانه وتعالى:
والله أعلم بأعدائكم أي أن الله جلت قدرته أعلم منكم بأعدائكم، لأنكم تعلمون ما يبدو من أفعالهم وما يظهر على ألسنتهم، والله سبحانه وتعالى يعلم ما تخفي الصدور، وقد قال تعالى في آية أخرى:
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط [آل عمران ].
[ ص: 1700 ]
ومع أن هؤلاء أعداؤكم فلا تخافوهم ولكن احذروهم، ولا تتخذوا منهم أولياء توالونهم، بأن تتخذوا ولايتهم ولاية لكم بأن تنضووا تحتها، ولا تستنصروا بهم لأنهم يريدون لكم الخذلان لا النصر، ومن اعتز بغير الله ذل، ومن استنصر بعدوه خذل، وقال سبحانه:
وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ويكفي المؤمن في الاعتزاز أن يكون الله وليه، لا ينضوي إلا تحت لواء أهل دينه، ولا يدخل في ولاية غير ولايتهم، كما قال تعالى:
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا [المائدة]. وكما أنه
يكفي المؤمن أن يكون الله وليه، فإنه يكفيه أيضا أن يكون الله تعالى ناصره:
إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون [آل عمران ].
وهنا بحثان لغويان: أولهما: أن النحويين يقررون أن الباء في قوله تعالى: (وكفى بالله) زائدة في الإعراب، ولكن ليست زائدة في المعنى; إذ هي تشير إلى تضمن الاكتفاء بولاية الله وعونه ونصرته، وكان المعنى: اكتفوا بولاية الله ونصرته، وكفاكم الله الولاية والنصرة والمعونة.
والبحث الثاني: تكرار كلمة (وكفى بالله) وذلك لإلقاء الاطمئنان في قلوب المؤمنين، فإن التكرار فيه توكيد، وفيه الإشعار بعظمة الله جل جلاله الذي يتولى ولايتهم ونصرتهم.
* * *