ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم
ذكرنا ما حكاه الله عن المنافقين وضعفاء الإيمان، وفي مقابلة قول الأولين مرضى القلوب الذين استولى عليهم اليأس من رحمة الله تعالى، كان ما قاله أهل الإيمان قبل النصر وبعده، فقبله كان الرجاء يغمرهم، وبعده كان الفرح يملئوهم، وينددون بحال مرضى القلوب، ويستنكرون فعلهم فقد حكى سبحانه استنكار حالهم بقوله:
أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم أي: هذه حال أولئك الذين أقسموا بالله بأقصى طاقة ما عندهم من إيمان، أنهم لمعكم، أي: أن هؤلاء مرضى القلوب أعلنوا مقسمين بأقصى الأيمان، بأن يكونوا مع المؤمنين والرسول في ولايتهم ونصرتهم، ومعاونتهم، وقد أكدوا ذلك بعدة تأكيدات بأقصى الطاقة في القسم وتوثيق الكلام، وأكدوه بـ: "إن" وب: "اللام" المؤكدة، ومع هذه التوكيدات ما كانوا صادقين، بل كانوا خادعين، لأنفسهم وللمؤمنين، كما قال سبحانه:
يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون
ولا يمكن أن ينجح من يكون هذا شأنه، ولذا قال سبحانه:
حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين تحتمل أن تكون هذه مما حكاه الله تعالى عن المؤمنين، ونميل إلى أنها من كلام الله تعالى، وهو حكم الله تعالى عليهم بثمرة ما كان من فساد قلوبهم، وهو أن ما يتوهمونه وما يعملون على
[ ص: 2247 ] أساسه، ومن امتناعهم عن أن يكون ولاؤهم للمؤمنين وموالاة غيرهم دونهم - مآله الفشل والحبوط، وأن الله هو العزيز الذي ينصر من ينصره، ويعز من يعتز به، ومن يعتز بغيره يذل ويهون، وبذلك أصبحوا خاسرين، ولقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: إن الجملة في معنى التعجب، أي: ما أعجب حبوط أعمالهم وما أعجب أن أصبحوا خاسرين، وهذا الكلام على أساس أن الجملة محكية عن المؤمنين، ونميل أنها حكم الله تعالى وهو العلي الحكيم، اللهم أعزنا بعزة الإسلام، وامنع عن قلوبنا الولاء لأهل الكفر والطغيان.