[ ص: 2488 ] إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون وقالوا لولا نـزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينـزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون
الكلام في شأن المشركين وعرض الآيات عليهم، وطلبهم آيات أخرى، وهم معرضون عن كل الآيات بقلوبهم لأنها في أكنة، ولا يسمعون الحق لأن آذانهم فيها وقر لانصرافها، وقد أكد سبحانه وتعالى ذلك وذكر وجوب اليأس من المشركين الذين يعرضون عن آيات الله مدعين أن ما سيق لهم لا يكفي لإقناعهم، فقال تعالى:
إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون
الاستجابة هنا هي الإجابة بعد التفكر والإمعان وتقدير الأمر، فهي إجابة محكمة دقيقة، وهذا ما تدل عليه (السين)، فهي إجابة بعد استقراء الدليل على
[ ص: 2489 ] وجوبها، وقد حصر سبحانه وتعالى الاستجابة بأنها لا تكون إلا للذين يسمعون ولا يعرضون، وينفذون إلى لباب ما يستمعون إليه، ولا ينأون عنه، وفي الكلام تشبيه الذين يعرضون عن الدين ولا يستمعون سماع وعي وإدراك وتفهم بحال الصم الذين لا يسمعون; لأن السمع لا قيمة له إذا لم يصل بصاحبه إلى التفهم والهداية.
وقد قال تعالى من بعد
والموتى يبعثهم الله وقيل: إن الموتى هم موتى الأحياء الذين لا يدركون الحق، ومعنى بعثهم إيمانهم وهدايتهم، أي: أن الله تعالى قادر على هداية موتى التفكير الذين لا يستجيبون، وقيل: المراد بالموتى الكفرة الأموات، ومعنى البعث ليس الإيمان، إنما المراد أنه سبحانه وتعالى سيبعثهم ثم يحاسبهم على كفرهم، والرأي عندي أن تكون كلمة الموتى على حقيقتها والبعث على حقيقته، ويكون نسق النص الكريم هكذا: إنما يستجيب للحق ويذعن له الذين لا يعرضون عن الآيات، ثم بين بعد ذلك حال الذين لا يجيبون بإثبات قدرة الله بأن الله تعالى سيبعثهم مع الموتى، ثم يكون الحساب والعقاب ويرون ما لم يؤمنوا به، ويستمعون إلى ما أعرضوا عنه وكفروا؛ ولذا قال سبحانه من بعد ذلك:
ثم إليه يرجعون أي: ثم إليه وحده يعودون راجعين ليجازيهم المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ولا يستوي المحسن والمسيء.