ثم قرر سبحانه أنهم لا يؤمنون فقال تعالت كلماته:
أنها إذا جاءت لا يؤمنون إنهم ليس لهم عزم صادق؛ ولذا قال تعالى:
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة
وإن الجاحد لا يكون مستقرا على قرار، ولا على نظر، بل هو مضطرب النفس والفؤاد والنظر؛ فهو ينظر إلى التي تلوح أماراته، فتبهره بيناته، وهو لجوج في جحوده، فيكون متحيرا بين جحود مستكن قار، ونور تبدو آياته، وهذا قريب من معنى:
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم أي: أن قلوبهم غير مستقرة وأبصارهم أي:
[ ص: 2630 ] مداركهم، وقد شبهت المدارك بالأبصار المبصرة، فهم متقلبون في تفكيرهم ولا إيمان عندهم تستقر عنده القلوب، لا يفكرون ولا يتدبرون، ويستمرون على جحودهم كحالهم عندما لم يؤمنوا بالقرآن أول مرة إذ جاءهم، أو كما كانت حالهم قبل أن يقسموا، وهذا تأكيد لأنهم لا يؤمنون بعد القسم الذي أقسموه جهد أيمانهم.
وقوله تعالى:
ونقلب أفئدتهم معطوف على
يؤمنون كما عطف عليه "ونذرهم في طغيانهم يعمهون".
ونذرهم في طغيانهم يعمهون
أي: نتركهم في طغيانهم الظالم، وهو تمردهم على آيات الله تعالى، واقتراحهم على الله أن يأتي بآية أخرى، مما يدل على أنهم لا يريدون إيمانا، إنما يريدون أن يظهروا أنهم على استعداد لقبول ما يجيء من آيات يقترحونها، وما كانوا يريدون بذلك إلا تعلة لكفرهم، بأنهم لم يقتنعوا بالقرآن دليلا، ومهما يؤت لهم من آية لا يؤمنون بها، إنه قد سبق جحود نظرهم وفي الأدلة المقدمة لهم، فهم قضوا بكفر، وأدلة الأيمان تقرع حسهم قرعا.
يعمهون معناها يترددون في باطلهم والبينات القائمة على بطلانه، فهم يترددون متحيرين، ولا منجاة لهم إلا بإيمان صادق مذعن، وأنى يكون لهم، وقد غلب عليهم طغيانهم الظالم الأثيم، فلا سبيل لأن يصل الحق إلى نفوسهم إذ قد غلفها الجحود، فكان على قلوبهم غشاوة فلا يهتدون.