ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون
بين الله -تعالى- ما أنعم به على الناس أجمعين وثنيين ومؤمنين، طائعين وعاصين، فنعم الله تعالى الدنيوية تعم ولا تخص
وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار
وقوله:
مكناكم أي: جعلناكم ممكنين منها تفترشونها، وقد مهدها لكم تمهيدا وجعلها لكم مستقرا ومقاما تنتفعون بها، وجعل لكم من زروعها وثمارها ومعادنها، وما أودع أرضها من فلزات ما تتمتعون، وجعل -سبحانه وتعالى- لكم فيها معايش وهي جمع معيشة، والمراد ما تتعيشون مما أخرجت الأرض، كما قال تعالى:
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنـزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون
وإن المعايش التي جعلها لنا في الأرض قد ذكر بعضها، من ذلك قوله تعالى:
وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين [ ص: 2793 ] هذه بعض النعم التي اتخذ الإنسان منها معايش له.
وإن قوله تعالى:
ولقد مكناكم فيه توكيد من الله تعالى بهذا التمكين وذلك الاستقرار وذلك التأكيد اللفظي باللام وقد، وهو تأكيد للفعلين اللذين جاءا بعد ذلك.
وكان هذا التأكيد لتذكير الذين لا يؤمنون بفضل هذه النعم وحق شكرها ولكن الشاكرين قليلون في عددهم بالنسبة للكافرين بها للذين لم يؤدوا حقها.
ولذا قال تعالى:
قليلا ما تشكرون "قليلا" نائب عن المفعول المطلق ل: "تشكرون". و: "ما" ليقوي معنى القلة، والمعنى: تشكرون شكرا قليلا، أي: قلة بالنسبة لهذه النعم، إنه مهما يكن شكر المؤمنين فهو قليل بالنسبة لنعم الله تعالى، وهو ولي النعم.