ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء نادوهم مستصرخين من شدة العطش، وحرارة النار
أن أفيضوا "أن" هنا تفسيرية؛ لأن المطلوب هو إفاضة الماء، فكان المعنى نادوهم: أفيضوا علينا الماء.
وإفاضة الماء التوسعة في إعطائه، ويبدو أن أهل الجنة كانوا في مرتفع تجري فيه الأنهار والعيون، وأهل النار في منحدر، والماء يفيض من الأعلى إلى الأدنى، والمعنى: لا يمنعونه بسدود حتى يفيض عليهم مدرارا، وينهمر أنهارا.
والماء أهم شيء للأحياء، والصدقة به أبر الصدقات، وقد
سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أبر الصدقات فقال: الماء ، وهل معنى هذا أن أهل النار كانوا محرومين من الماء حرمانا مطلقا؟ نقول: لا، بل كان عندهم، ولكنه حميم وغساق يمزق الأحشاء، فلم يكن عندهم النمير العذب الذي تجري به الأنهار وتنضح به العيون.
نادوهم، وفيهم آباء لمن ينادونهم، وأخلاء في الدنيا، ولكن الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو، فهي قطيعة بين أهل النعيم وأهل الجحيم قطعوها في الدنيا، فسجل الله تعالى عليهم ذلك في الآخرة.
ولقد طلبوا مع الماء شيئا مما هو عند أهل الجنة من طعام شهي، وفاكهة ورمان، ولذا قالوا:
أو مما رزقكم الله أي أعطاكم من خيرات من لبن سائغ للشاربين، وعسل مصفى، وخمر لا غول فيها ولا يصدعون منها، طلبوا هذا، ولكن ذلك حرام عليهم، ولذا أجاب أهل الجنة وقالوا:
إن الله حرمهما على الكافرين
قال أهل الجنة معتذرين عن عدم الإجابة أو مقررين الوقائع التي غابت عن أهل النار تحت تأثير العطش الشديد، والحاجة الملحة إلى الطعام، وهو أن ذلك
[ ص: 2855 ] جزاء الله تعالى ووعده الذي وعدهم به، وإن الله لا يخلف الميعاد، قالوا لهم:
إن الله حرمهما على الكافرين ذلك أن لكل نصيبه وجزاءه، وحسبكم ما تمتعتم به في الدنيا آثمين ظالمين كافرين بالحق، مستكبرين عن اتباعه، مكذبين لدعاته.
والتعبير بالكافرين إشارة إلى أن سبب الحرمان هو الكفر، ولا خلاص لكم مما كتب عليكم بأعمالكم.