ولقد أدرك أنه يجوز أن يكونوا في استغراب، وهو يريد هدايتهم، فيريد أن يزيل غرابتهم، فقال متقربا متحببا مخاطبا وجدانهم مزيلا استغرابهم:
أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون .
[ ص: 2881 ] الواو هنا عاطفة ما بعدها على ما قبلها، فهي عاطفة كلام
نوح - عليه السلام - الأخير على ما قبله، ولكنها أخرت في الذكر عن الهمزة، وهو بهذا ينبههم إلى ما يزيل عجبهم واستغرابهم، فهو استفهام في معنى النفي، أي: لا يصح أن تعجبوا من ذلك فإن الله لا ينزل ويكلم الناس، ولا ينزل الملائكة
ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ولقد أزال عجبهم، وأمرهم بألا يعجبوا.
وموضع العجب الواهم هو
أن جاءكم ذكر من ربكم "أن" تذكير بالحقيقة المستكنة في قلوبهم التي يطمسونها طمسا، حتى لا يذكروا
على رجل منكم أي: على لسان رجل منهم، أو أن "على" بمعنى "مع" أي: مع رجل منهم، وكذلك قال المشركون
لمحمد - صلى الله عليه وسلم -:
أبعث الله بشرا رسولا وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وقد بين الله
الغاية من الرسالة التي جاء بها نوح - عليه السلام - وهي غاية الرسل أجمعين فقال:
لينذركم بهذا الذكر الذي يثير العلم الذي تطمسونه فيذكركم به منذرا من عذاب، ومبشرا بثواب
ولتتقوا ولتعملوا على أن تتخذوا من عملكم وقاية لكم من العذاب
ولعلكم ترحمون أي: ولترجوا أن يرحمكم الله باتباع ما أمركم به من توحيد وإصلاح، فإن ذلك هو الرحمة الحقيقية بكم.