هذا، وإننا نرى آل فرعون وسكان مصر لم يدفعوا طغيانه، وإن الله تعالى لا يأخذ العامة بظلم الخاصة إلا إذا رأوا الظلم ولم ينكروه، والمصريون لم ينكروا فعل فرعون; ولذا عاقبهم الله تعالى بعقوبات دنيوية مختلفة، فقال الله تعالى في ذلك:
ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل [ ص: 2933 ] فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين
إن المصريين شاركوا فرعون فيما أوقع من مظالم ومآثم ببني إسرائيل; لأنهم رأوا الظلم ولم ينكروه، فكانوا مسؤولين، وما استمكن فرعون منهم ومن بني إسرائيل إلا بهم؛ لأنهم لم يقولوا: ظلمت.
ولذا قال الله تعالى:
ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات
وآل فرعون هنا ليسوا حاشيته ولا خاصته إنما هم أهل مصر جميعا; لأنهم أيدوه، ولو بالرضا، أو على الأقل بالصمت من غير نكير، والدليل على أنه أريد أهل
مصر جميعا أن السنين ونقص الثمرات لم يكن خاصا بفرعون وحاشيته; لأنه بلاء إذا جاء يعم ولا يخص.
وقوله تعالى:
ولقد أخذنا آل فرعون أي: آل مصر الذين هم آل فرعون، ومن يقوم بهم وبالحكم فيهم، وأخذناهم معناه اختبرناهم بالسنين، أي بالجدب والقحط، فيقال: أصبت بالسنة أي: بالجدب والنقص والجوع.
وقد أصابهم الله بسنين جدب وقحط ونقص من الثمرات، ويقال: أخذنا فلانا بالرفق والإكرام، وأخذناه باللوم والتأنيب بمعنى عاملنا، وتأويل القول: أخذناه وضممناه معاملين له بالرفق أو معاملين له باللوم أو التأنيب.
فأخذ الله آل فرعون معاملا بالسنين بجدبة تصيبهم، ونقص الثمرات يختبرهم سبحانه بذلك لعلهم يذكرون، أي: لعلهم يتذكرون أن هناك مدبرا غير فرعون، وأن الأمر ليس بإرادتهم ولا بإرادة فرعون، إنما هو بإرادة من خلق فرعون، وخلق الزرع والثمار، وأنشأها جنات معروشات وغير معروشات، ولكنهم لم يتذكروا لفنائهم في فرعون وملئه، وكذلك أهل فرعون دائما، لا ينفصلون في نفوسهم
[ ص: 2934 ] عن حكامهم، وإن كانت قوتهم عليهم، يقودون إلى النكسات نكسة بعد نكسة، وهم من ورائهم راضون راغبون فيهم على سوءاتهم غير راغبين عنهم.