ولقد قال تعالى في ذلك:
ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل .
(الرجز): هو العذاب، وهو يشمل ما سبق أو هو هو، وإن ذكر هذا يدل على أن طلبهم من
موسى كان بعد أن نزل بهم الرجز جملة وتفصيلا، وتوالى عليهم نزوله، وأن التجاءهم إلى
موسى - عليه السلام - بعد ذلك التوالي.
أو نقول: إن الله حكم عليهم بالاستكبار والإجرام، ثم بين بعد ذلك كيف كانوا مجرمين، وقد ذكر إجرامهم إجمالا، ثم فصل كيف كان ذلك العتو والاستكبار.
لما نزل بهم هذا الابتلاء آيات مفصلات وغيره - اتجهوا إلى
موسى - عليه السلام - وكأن الشك قد عراهم بالنسبة لما كانوا عليه
قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك أي: بعهده عندك وإيمانك به، ووعده لك بالنصرة والتأييد
لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل طلبوا كشف الرجز من
موسى ، مع أنهم طلبوا أن يدعو ربه، ونسبوا إليه كشفه؛ لأنهم اطمأنوا إلى أن الله سيجيبه، ولأنهم تعودوا أن يكون الأشخاص هم ذوي السلطان، ولا سلطان إلا لشخص
لنؤمنن لك أي: لنؤمنن بما تدعو إليه مسلمين لك بالحجة والدليل وأن كلامك الحق، ومع إيماننا لنرسلن معك بني إسرائيل، أكدوا إيمانهم بالقسم
[ ص: 2938 ] ومؤكداته، وأكدوا إرسالهم بني إسرائيل بالقسم ومؤكداته من نون التوكيد ولام القسم.
ولعلهم كانوا في ذلك صادقين في أنفسهم؛ لوقع الرجز عليهم، ولإحساسهم بالضعف أمام جبروت الله تعالى الذي تخاذل أمامه جبروت فرعون وطغيانه، ولكن الحق لم يصب قلوبهم، وليس لهم إذعان صادق، بل هو عارض عرض لهم، ولم يكونوا مؤمنين.
وما هؤلاء الذين طلبوا من
موسى ذلك الدعاء؟ يظهر أنهم الكبراء والسادة من ملأ فرعون، ولعله كان معهم، أو طلبوه بأمره بدليل أنهم وعدوا موسى بأن يرسلوا معه بني إسرائيل، فما كان يملك ذلك إلا فرعون وقادته وملؤه والكبراء معه، ومع هذا القسم الذي أقسموه ما وفوا، ولذا قال سبحانه: