بنو إسرائيل بعد الإنقاذ
وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون [ ص: 2940 ] أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم
كان بنو إسرائيل مستضعفين في أرض
مصر ، ومن يكن تحت فرعون يكن مستضعفا ذليلا ولو كان من أهلها، ولكن بني إسرائيل استضعفوا لغربتهم، ولحكم فرعون.
خرجوا من ذل فرعون وملئه، وأورثهم الله تعالى مشارق الأرض ومغاربها بعد أن استضعفوا بذل فرعون، وأرهقهم ظلما خاصا بهم، وقد صار لهم بعد خروجهم من مصر ملك عريض: شرق وغرب، وخصوصا في حكم داود وسليمان والملوك، ووصف الأرض بأن الله بارك فيها، ويشير هذا إلى أنها الأرض المقدسة، فقد أخذوا شرقها وغربها، وما أحاط بها، وكانت أرضا قد بارك الله فيها بالخصب، وأنها يجتمع فيها النبيون في إسراء النبي - صلى الله عليه وسلم - والمعراج.
وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا وكلمة الله هي ما وعد به تعالى بنصرهم، إذ قال:
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين
ووصف الله - سبحانه - الكلمة بأنها الحسنى - وهي مؤنث - لأن هذه الكلمة المباركة أوصلتهم إلى أحسن أحوالهم وأبركها عليهم.
بما صبروا هذا ما كان لبني إسرائيل، أما ما كان لفرعون وملئه فقد دمر الله تعالى ما كان يصنع فرعون من بناء وما كان من جنات، وما كانوا يعرشون فيها زراعات وغروسا تكون بالعرش والسقف على الأرض، فلا يرى سوداؤها من خضرائها، كما قال تعالى:
كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين [ ص: 2941 ] هذه نعم أنعم الله بها على بني إسرائيل بسبب صبرهم على ظلم فرعون، وإنه لبلاء عظيم، ولكن هل قدروا النعمة حق قدرها، ذلك ما ستبينه الآيات التالية: