سورة الفرقان:
ظهر لي بفضل الله بعدما أفكرت مدة: أن
نسبة هذه السورة لسورة النور، كنسبة سورة الأنعام إلى المائدة; من حيث أن النور قد ختمت بقوله:
لله ما في السماوات والأرض "النور: 64"، كما ختمت بقوله:
لله ملك السماوات والأرض وما فيهن "المائدة: 120".
وكانت جملة النور أخصر من المائدة، ثم فصلت هذه الجملة في سورة الفرقان فافتتحت بقوله:
الذي له ملك السماوات إلى قوله:
وخلق كل شيء فقدره تقديرا "2"، كما افتتحت الأنعام بمثل ذلك. وكان قوله عقبه:
واتخذوا من دونه آلهة "3" إلى آخره، نظير قوله هناك:
ثم الذين كفروا بربهم يعدلون "الأنعام: 1".
ثم ذكر في خلال هذه السورة جملة من المخلوقات; كمد الظل، والليل، والنوم، والنهار، والرياح، والماء، والأنعام، والأناسي، ومرج البحرين، والإنسان، والنسب، والصهر، وخلق السماوات والأرض في ستة أيام، والاستواء على العرش، وبروج السماء، والسراج، والقمر، إلى غير ذلك، مما هو تفصيل لجملة:
لله ما في السماوات والأرض 1 "النور: 64"، كما فصل آخر المائدة في الأنعام بمثل ذلك، وكان البسط في الأنعام أكثر لطولها.
[ ص: 120 ] ثم أشار في هذه السورة إلى القرون المكذوبة وإهلاكهم، كما أشار في الأنعام إلى ذلك، ثم أوضح هذه الإشارة في السورة التي تليها -وهي الشعراء- بالبسط التام، والتفصيل البالغ، كما أوضح تلك الإشارة التي في الأنعام وفصلها في سورة الأعراف التي تليها.
فكانت هاتان السورتان في المثاني، نظير تينك السورتين [الأنعام والأعراف] في الطوال، واتصالهما بآخر النور، نظير اتصال تلك بآخر المائدة، المشتملة على فصل القضاء.
ثم ظهر لي لطيفة أخرى; وهي: أنه
إذا وقعت سورة مكية بعد سورة مدنية، افتتح أولها بالثناء على الله; كالأنعام بعد المائدة، والإسراء بعد النحل، وهذه بعد النور، وسبأ بعد الأحزاب، والحديد بعد الواقعة، وتبارك بعد التحريم; لما في ذلك من الإشارة إلى نوع استقلال، وإلى الانتقال من نوع إلى نوع.