سورة هود
204 -
قوله تعالى : فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا ، بحذف النون والجمع ، وفي القصص :
فإن لم بإثبات النون ،
لك فاعلم على الواحد . عدت هذه الآية من المتشابه في فصلين :
أحدهما : حذف النون من
فإلم في هذه السورة ، وإثباتها في غيرها . وهذا من فعل الخط ، وقد ذكرته في " كتابة المصاحف " .
والثاني : جمع الخطاب ههنا ، وتوحيده في القصص ؛ لأن ما في هذه السورة خطاب للكفار . والفعل يعود لمن استطعتم ، وما في القصص خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، والفعل للكفار .
205 - قوله :
وهم بالآخرة هم كافرون سبق .
206 -
قوله : لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ، وفي النحل :
هم الخاسرون ؛ لأن هؤلاء صدوا عن سبيل الله ، وصدوا غيرهم ، فضلوا ، فهم الأخسرون ، يضاعف لهم العذاب . وفي النحل : صدوا فهم الخاسرون . قال
الخطيب : لأن ما قبلها في هذه السورة :
يبصرون ،
يفترون لا يعتمدان على ألف بينهما . وفي النحل :
الكافرون ، و
الغافلون فللموافقة بين الفواصل جاء في هذه السورة
[ ص: 144 ] الأخسرون ، وفي النحل :
الخاسرون .
207 -
قوله : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير بالفاء ، وبعده :
فقال الملأ بالفاء ، وهو القياس ، وقد سبق .
208 -
قوله : وآتاني رحمة من عنده ، وبعده :
وآتاني منه رحمة ، وبعدهما :
ورزقني منه رزقا حسنا ؛ لأن " عنده " وإن كان ظرفا فهو اسم ، فذكر الأولى بالصريح ، والثانية والثالثة بالكناية ؛ لتقدم ذكره ، فلما كنى عنه قدمه ؛ لأن الكناية يتقدم عليها الظاهر ، نحو : ضرب زيد عمرا ، فإن كنيت عن عمرو قدمته ، نحو : عمرو ضربه زيد ، وكذلك : زيد أعطاني درهما من ماله ، فإن كنيت عن المال قلت : المال زيد أعطاني منه درهما .
قال
الخطيب : لما وقع
وآتاني رحمة في جواب كلام فيه ثلاثة أفعال كلها متعد إلى مفعولين ، ليس بينهما حائل بجار ومجرور ، وهو قوله :
ما نراك إلا بشرا مثلنا ، و
وما نراك اتبعك ، و
بل نظنكم كاذبين أجرى الجواب مجراه ، فجمع بين المفعولين من غير حائل .
وأما الثاني : فقد وقع في جواب كلام قد حيل بينهما بجار ومجرور ، وهو قوله :
قد كنت فينا مرجوا ؛ لأن خبر كان بمنزلة المفعول ، كذلك حيل في الجواب بين المفعولين بالجار والمجرور .
209 -
قوله : ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله في قصة
نوح ، وفي غيرها :
أجرا إن أجري ؛ لأن في قصة
نوح وقع بعدها
خزائن ، ولفظ المال بالخزائن أليق .
[ ص: 145 ] 210 -
قوله : ولا أقول إني ملك ، وفي الأنعام :
ولا أقول لكم إني ملك ؛ لأن في الأنعام آخر الكلام فيه ( جاء ) بالخطاب ، وختم به ، وليس في هذه السورة آخر الكلام ، بل آخره :
تزدري أعينكم ، فبدأ بالخطاب وختم به في السورتين .
211 -
قوله : ولا تضرونه شيئا ، وفي التوبة :
ولا تضروه شيئا . ذكر هذا في المتشابه وليس منه ؛ لأن قوله :
ولا تضرونه شيئا عطف على قوله :
ويستخلف ربي فهو مرفوع ، وفي التوبة معطوف على : " يعذبكم " - " يستبدل " ، وهما مجزومان فهو مجزوم .
212 -
قوله : ولما جاء أمرنا نجينا هودا في قصة
هود وشعيب بالواو ، وفي قصة
صالح ولوط : " فلما " بالفاء ؛ لأن العذاب في قصة
هود وشعيب تأخر عن وقت الوعيد ، فإن في قصة
هود :
فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ، وفي قصة
شعيب :
سوف تعلمون . والتخويف قارنه التسويف ، فجاء بالواو المهملة . وفي قصة
صالح ولوط وقع العذاب عقيب الوعيد ، فإن في قصة
صالح :
تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ، وفي قصة
لوط :
أليس الصبح بقريب ، فجاء الفاء للتعجيل والتعقيب .
213 -
قوله : وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ، وفي قصة
موسى :
في هذه لعنة ؛ لأنه لما ذكر في الآية الأولى الصفة والموصوف ، اقتصر في الثانية على الموصوف للعلم ، والاكتفاء بما قبله .
[ ص: 147 ] 214 -
قوله : إن ربي قريب مجيب ، وبعده :
إن ربي رحيم ودود لموافقة الفواصل ، ومثله :
لحليم أواه منيب ، وفي التوبة :
لأواه حليم للروي في السورتين .
215 -
قوله : وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب ، وفي إبراهيم :
وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ؛ لأنه في السورتين جاء على الأصل ، وتدعونا خطاب مفرد ، وفي إبراهيم لما وقع بعده
تدعوننا بنونين ؛ لأنه خطاب جمع ، حذف منه النون استثقالا للجمع بين النونات ، ولأن في إبراهيم اقترن بضمير قد غير ما قبله بحذف الحركة وهو الضمير المرفوع في قوله : " كفرنا " فغير ما قبله في إننا بحذف النون . وفي هود اقترن بضمير لم يغير ما قبله ، وهو الضمير المنصوب والضمير المجرور في قوله :
. . . فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا فصح كما صح .
216 -
قوله : وأخذ الذين ظلموا الصيحة ، ثم قال :
وأخذت الذين ظلموا التذكير والتأنيث حسنان ، لكن التذكير أخف في الأولى بحذف حرف منه ، وفي الأخرى وافق ما بعدها وهو :
كما بعدت ثمود .
قال الخطيب : لما جاءت في قصة شعيب مرة :
الرجفة ، ومرة :
الظلة ، ومرة :
الصيحة ؛ ازداد التأنيث حسنا .
217 -
قوله : في ديارهم في موضعين في هذه السورة ؛ لأنه اتصل بالصيحة ، وكانت من السماء ، فازدادت على الرجفة ؛ لأنها : الزلزلة ، وهي تختص بجزء من الأرض ، فجمعت مع الصيحة ، وأفردت مع الرجفة .
[ ص: 147 ] 218 -
قوله : إن ثمودا بالتنوين ، ذكر في المتشابه ، فقلت : ثمود من الثمد ، وهو : الماء القليل ، جعل اسم قبيلة ، فهو منصرف من وجه ، وغير منصرف من وجه ، فصرفوه في حال النصب ؛ لأنه أخف أحوال الاسم ، ولم يصرفوه في حال الرفع ؛ لأنه أثقل أحوال الاسم ، وجاز الوجهان في الجر ؛ لأنه واسطة بين الخفة والثقل .
219 -
قوله : وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون . وفي القصص :
مهلك القرى ؛ لأن الله تعالى نفى الظلم عن نفسه بأبلغ لفظ يستعمل في النفي ؛ لأن هذه اللام لام الجحود ، وتظهر بعدها أن ، ولا يقع بعدها المصدر ، وتختص بكان ، معناه : ما فعلت فيما مضى ، ولا أفعل في الحال ، ولا أفعل في المستقبل ، فكان الغاية في النفي . وما في القصص لم يكن صريح ظلم ، فاكتفى بذكر اسم الفاعل ، وهو أحد الأزمنة غير معين ، ثم نفاه .
220 -
قوله : فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ، وفي الحجر :
بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد استثنى في هذه السورة من الأهل قوله :
إلا امرأتك . ولم يستثن في الحجر اكتفاء بما قبله ، وهو قوله :
إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته . فهذا الاستثناء الذي تفردت به
[ ص: 148 ] سورة الحجر قام مقام الاستثناء من قوله :
فأسر بأهلك بقطع من الليل ، وزاد في الحجر :
واتبع أدبارهم ؛ لأنه إذا ساقهم وكان من ورائهم علم بنجاتهم ولا يخفى عليه حالهم .