سورة الإسراء
272 -
قوله تعالى : ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا . وخصت سورة الكهف بقوله :
أجرا حسنا ؛ لأن الأجر في السورتين : الجنة . والكبير والحسن من أوصافها ، لكن خصت هذه السورة بالكبير موافقة لفواصل الآي قبلها وبعدها ، وهي :
حصيرا " 8 " ،
أليما " 10 "
عجولا " 11 " . وجلها وقع قبل آخرها مدة ، وكذلك في سورة الكهف جاء على
[ ص: 164 ] ما تقتضيه الآيات قبلها وبعدها ، وهي :
عوجا ،
أبدا ،
ولدا . وجلها قبل آخرها متحرك .
وأما رفع
يبشر في " سبحان " ، ونصبها في الكهف ؛ فليس من المتشابه .
273 -
قوله : لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ، وقوله :
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ، وقوله :
ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ، فيها بعض المتشابه ، ويشبه التكرار ، وليس بتكرار ؛ لأن الأولى في الدنيا ، والثالثة في العقبى . ( الثانية ) الخطاب فيها للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به غيره ، وذلك
أن امرأة بعثت صبيا لها إليه مرة بعد أخرى تسأله قميصا ، ولم يكن عليه ولا له - صلى الله عليه وسلم - قميص غيره ، فنزعه ودفعه إليه ، فدخل وقت الصلاة فلم يخرج حياء ، فدخل عليه أصحابه فوجدوه على تلك الحالة ، فلاموه على ذلك ، فأنزل الله تعالى : فتقعد ملوما يلومك الناس
محسورا مكشوفا . هذا هو الأظهر من تفسيره .
274 -
قوله : ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا ، وفي آخر السورة :
ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن . إنما لم يذكر في أول " سبحان " : " الناس " ؛ لتقدم ذكرهم في السورة ، وذكرهم في آخر السورة " 89 " ، وذكرهم في الكهف ، إذ لم يجر ذكرهم ؛ لأن ذكر الإنس والجن جرى معا ؛ فذكر الناس كراهة
[ ص: 165 ] الالتباس .
وقدمه على قوله : " في هذا القرآن " كما قدمه في قوله :
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ، ثم قال :
ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن . .
وأما في الكهف فقدم :
في هذا القرآن ؛ لأن ذكره جل الغرض ، وذلك أن اليهود سألته عن قصة أصحاب الكهف وقصة
ذي القرنين ، فأوحى الله إليه في القرآن ، فكان تقديمه في هذا الموضع أجدر ، والعناية بذكره أحرى .
275 -
قوله : وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا ، ثم أعادها في آخر السورة بعينها ، من غير زيادة ولا نقصان " 98 " ؛ لأن هذا ليس بتكرار ، فإن الأول من كلامهم في الدنيا ، حين جادلوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنكروا البعث . والثاني من كلام الله تعالى ، حين جازاهم على كفرهم ، وقولهم ، وإنكارهم البعث ، فقال :
مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا .
276 -
قوله : ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا ، وفي الكهف :
ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا ، اقتصر في هذه السورة على الإشارة لتقدم ذكر جهنم .
ولم يقتصر في الكهف على الإشارة دون العبارة لما اقترن بقوله :
[ ص: 166 ] " جنات " ، فقال :
جزاؤهم جهنم بما كفروا الآية . ثم قال :
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ليكون الوعد والوعيد كلاهما ظاهرين للمستمعين .
277 -
قوله : قل ادعوا الذين زعمتم من دونه ، وفي سبإ :
ادعوا الذين زعمتم من دون الله ؛ لأنه يعود إلى الرب ( في هذه السورة ) ، وقد تقدم ذكره في الآية الأولى وهو قوله :
وربك أعلم ، وفي سبإ لو ذكر بالكناية لكان يعود إلى الله كما صرح ، فعاد إليه ؛ وبينه وبين ذكره سبحانه صريحا أربع عشرة آية ، فلما طالت الآيات صرح ولم يكن .
278 -
قوله : أرأيتك هذا الذي ، وفي غيرها : " أرأيت " ؛ لأن ترادف الخطاب يدل على أن المخاطب به أمر عظيم ، وخطب فظيع ، وهكذا هو في هذه السورة ؛ لأنه - لعنه الله - ضمن أخطال ذرية بني
آدم عن آخرهم إلا قليلا ، ومثل هذا : " أرأيتكم " في الأنعام في موضعين ، وقد سبق .
279 -
قوله : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ، وفي الكهف بزيادة :
ويستغفروا ربهم ؛ لأن ما في هذه السورة معناه : ما منعهم عن الإيمان
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - إلا قولهم :
أبعث الله بشرا رسولا ، هلا بعث ملكا ؟ وجهلوا أن التجانس يورث التآنس ، والتغاير يورث التنافر . وما في الكهف معناه : ما منعهم عن الإيمان والاستغفار إلا إتيان سنة الأولين .
[ ص: 167 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : إلا طلب سنة الأولين ، وهو قوله :
إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة ، فزاد :
ويستغفروا ربهم لاتصاله بقوله :
سنة الأولين وهم : قوم
نوح ،
وهود وصالح ،
وشعيب ، كلهم أمروا بالاستغفار .
فنوح يقول :
ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا .
وصالح يقول :
فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب .
وشعيب يقول :
واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ، فلما خوفهم سنة الأولين أجرى المخاطبين مجراهم .
280 -
قوله : قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ، وفي العنكبوت :
قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا كما في الفتح :
وكفى بالله شهيدا ، والرعد :
قل كفى بالله شهيدا ، ومثله : كفى بالله نصيرا ، " وكفى بالله حسيبا " ، فجاء في الرعد وسبحان على الأصل ، وفي العنكبوت آخر :
شهيدا ؛ لأنه لما وصفه بقوله :
يعلم ما في السماوات والأرض طال فلم يجز الفصل به .
281 -
قوله : أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر ، وفي الأحقاف :
بقادر ، وفي يس " 81 " ؛ لأن ما في هذه السورة خبر أن ، وما في يس خبر ليس ، فدخل الباء الخبر ، وكان القياس ألا يدخل في ( حم الأحقاف ) ، ولكنه شابه ليس لما ترادف النفي ، وهو قوله :
أولم يروا ،
[ ص: 168 ] ولم يعي ، وفي هذه السورة نفي واحد ، وأكثر أحكام المتشابه في العربية ثبت من وجهين ، قياسا على باب ما لا ينصرف وغيره .
282 - قوله :
إني لأظنك يا موسى مسحورا ، قابل
موسى - عليه السلام - كل كلمة من
فرعون بكلمة من نفسه ، فقال :
وإني لأظنك يا فرعون مثبورا .