سورة الأنبياء
305 -
قوله تعالى : ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ، وفي الشعراء :
وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث .
[ ص: 177 ] خصت هذه السورة بقوله :
من ربهم بالإضافة ؛ لأن الرحمن لم يأت مضافا ، ولموافقته ما بعده ، وهو قوله :
قال ربي يعلم ، وخصت الشعراء بقوله :
من الرحمن لتكون كل سورة مخصوصة بوصف من أوصافه ، وليس في أوصاف الله اسم أشبه باسم الله من الرحمن ؛ لأنهما اسمان ممنوعان أن يسمى بهما غير الله - عز وجل - ولموافقة ما بعده وهو قوله :
لهو العزيز الرحيم ؛ لأن الرحمن الرحيم مصدر واحد .
306 -
قوله : وما أرسلنا قبلك إلا رجالا ، وبعده :
وما أرسلنا من قبلك كلاهما لاستيعاب الزمان المتقدم ، إلا أن " من " إذا دخل دل على الحصر بين الحدين ، وضبطه بذكر الطرفين ، ولم يأت " وما أرسلنا قبلك " إلا هذه ، وخصت بالحذف لأن قبلها :
ما آمنت قبلهم من قرية فبناه عليه ؛ لأنه هو . وأخر " من " في الفرقان :
وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ، وزاد في الثاني :
من قبلك من رسول على الأصل للحصر .
307 -
قوله : كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ، وفي العنكبوت :
ثم إلينا ترجعون ؛ لأن ثم للتراخي . والرجوع هو : الرجوع إلى الجنة أو النار ، وذلك في القيامة ، فخصت سورة العنكبوت به ، وخصت هذه السورة بالواو لما حيل بين الكلامين بقوله :
ونبلوكم بالشر والخير فتنة ، وإنما ذكرا لتقدم ذكرهما ، فقام مقام التراخي ، وناب الواو منابه .
[ ص: 178 ] 208 -
قوله : وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا ، وفي الفرقان :
وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا ؛ لأنه ليس في هذه الآية التي تقدمتها ذكر الكفار هنا ، فصرح باسمهم ، وفي الفرقان قد ذكر الكفار ، فخص الإظهار بهذه السورة ، والكناية بتلك .
309 - قوله :
ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا ، وفي الشعراء :
قالوا بل وجدنا بزيادة " بل " ؛ لأن قوله : " وجدنا آباءنا " جواب لقوله :
ما هذه التماثيل ، وفي الشعراء أجابوا عن قوله :
ما تعبدون بقولهم :
نعبد أصناما . ثم قال :
هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون . فأتى بصورة الاستفهام ومعناه النفي ، قالوا :
بل وجدنا . أي : قالوا : لا ، بل وجدنا عليه آباءنا ؛ لأن السؤال في الآية يقتضي في جوابهم أن ينفوا ما نفاه السائل ، فأضربوا عنه إضراب من ينفي الأول ويثبت الثاني ، فقالوا : بل وجدنا . فخصت السورة به .
310 -
قوله : وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ، وفي الصافات :
الأسفلين ؛ لأن في هذه السورة كادهم
إبراهيم - عليه السلام - بقوله :
لأكيدن أصنامكم . وكادوا هم
إبراهيم بقوله :
وأرادوا به كيدا . فجرت بينهم مكايدة فغلبهم
إبراهيم ؛ لأنه كسر أصنامهم ، ولم يغلبوه ؛ لأنهم لم يبلغوا من إحراقه مرادهم ، فكانوا هم الأخسرين .
وفي الصافات :
قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم [ ص: 179 ] فأججوا نارا عظيمة ، وبنوا بنيانا عاليا ، ورفعوه إليه ، ورموه منه إلى أسفل ، فرفعه الله وجعلهم في الدنيا من الأسفلين ، وردهم في العقبى أسفل سافلين ، فخصت الصافات بالأسفلين .
311 -
قوله : ونجيناه بالفاء ، سبق في يونس ، ومثله في الشعراء :
فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين .
312 - قوله :
وأيوب إذ نادى ربه ، ختم القصة بقوله :
رحمة من عندنا ، وقال في ص :
رحمة منا ؛ لأنه هنا بالغ في التضرع بقوله :
وأنت أرحم الراحمين ، فبالغ سبحانه في الإجابة وقال :
رحمة من عندنا ؛ لأن ( عند ) حيث جاء دل على : أن الله سبحانه تولى ذلك من غير واسطة .
وفي ( ص ) لما بدأ القصة بقوله :
واذكر عبدنا ختم بقوله : " منا " ليكون آخر الآية لفقا بالأول . الآية .
313 - قوله :
فاعبدون وتقطعوا ، وفي المؤمنون :
فاتقون فتقطعوا ؛ لأن الخطاب في هذه السورة للكفار ، فأمرهم بالعبادة التي هي التوحيد ، ثم قال :
وتقطعوا بالواو ؛ لأن التقطع قد كان منهم قبل هذا القول لهم ، ومن جملة خطاب المؤمنين ؛ فمعناه : داوموا على الطاعة . وفي المؤمنون الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين ، بدليل قوله :
يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ، والأنبياء والمؤمنون مأمورون بالتقوى . ثم قال :
فتقطعوا أمرهم أي : ظهر منهم التقطع بعد هذا القول ، والمراد أممهم .
314 -
قوله : والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها ،
[ ص: 180 ] وفي التحريم :
فنفخنا فيه ؛ لأن المقصود في هذه السورة ذكرها ، وما آل إليه أمرها حتى ظهر فيها ابنها ، وصارت هي وابنها آية ، وذلك لا يكون إلا بالنفخ في حملها وتحملها ، والاستمرار على ذلك إلى ولادتها ، فلهذا اختصت بالتأنيث .
وما في التحريم مقصور على ذكر إحصانها ، وتصديقها بكلمات ربها ، وكأن النفخ أصاب فرجها وهو مذكر ، والمراد به : فرج الجيب ، أو غيره ، فخصت بالتذكير .