سورة فصلت
455 -
قوله تعالى : في أربعة أيام ، أي : مع اليومين اللذين تقدما قوله :
خلق الأرض في يومين ، لئلا يزيد العدد على ستة أيام ، فيتطرق إليه كلام المعترض .
وإنما جمع بينهما ولم يذكر اليومين على الانفراد بعدهما لدقيقة لا يهتدي إليها كل أحد ، وهي : أن قوله :
خلق الأرض في يومين صلة الذي ، و
وتجعلون له أندادا عطف على قوله :
لتكفرون ،
وجعل فيها رواسي عطف على قوله :
خلق الأرض وهذا تفريع في الإعراب لا يجوز في الكلام ، وهو في الشعر من أقبح الضرورات لا يجوز أن يقال : جاءني الذي يكتب وجلس ويقرأ ؛ لأنه لا يحال بين صلة الموصول وما يعطف بأجنبي من الصلة .
فإذا امتنع هذا لم يكن بد من إضمار فعل يصح الكلام به ومعه ، فيضمر خلق الأرض بعد قوله :
ذلك رب العالمين فيصير التقدير : ذلك رب العالمين خلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها ، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ، ليقع هذا كله في أربعة أيام ، ويسقط الاعتراض والسؤال . وهذه معجزة وبرهان .
[ ص: 222 ] 456 -
قوله : حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم ، وفي الزخرف وغيره :
حتى إذا جاءنا ، و
حتى إذا جاءوها بغير " ما " ؛ لأن حتى ههنا هي التي تجري مجرى واو العطف ، نحو قولك : أكلت السمكة حتى رأسها ، أي ورأسها . وتقدير الآية : فهم يوزعون إذا جاءوها . و " ما " هي التي تزاد مع الشروط ، نحو : أينما ، وحيثما ، و " حتى " في غيرها من السور للغاية .
457 -
قوله : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ، ومثله في الأعراف ، لكنه ختم بقوله :
إنه سميع عليم ؛ لأن الآية في هذه السورة متصلة بقوله :
وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ، فكان مؤكدا بالتكرار وبالنفي والإثبات ، فبالغ في قوله :
إنه هو السميع العليم بزيادة " هو " وبالألف واللام ، ولم يكن في الأعراف هذا النوع من الاتصال ، فأتى على القياس : المخبر عنه معرفة ، والخبر نكرة .
459 -
قوله : ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ، وفي " حم عسق " بزيادة قوله :
إلى أجل مسمى ، وزاد فيها أيضا :
بغيا بينهم ؛ لأن المعنى : تفرق قول اليهود في التوراة ، وتفرق قول الكافرين في القرآن ، ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخر العذاب إلى يوم الجزاء ، لقضي بينهم بإنزال العذاب عليهم .
وخصت " حم عسق " بزيادة قوله :
إلى أجل مسمى ؛ لأنه ذكر البداية في أول الآية ، وهو :
وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ، وهو مبدأ كفرهم ، فحسن ذكر النهاية التي أمهلوا إليها ، ليكون محدودا من الطرفين .
[ ص: 223 ] 459 -
قوله : وإن مسه الشر فيئوس قنوط ، وبعده :
وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض لا منافاة بينهما ؛ لأن معناه : قنوط من الضيم ، دعاء لله . وقيل : يئوس قنوط بالقلب ، دعاء باللسان . وقيل : الأول في قوم ، والثاني في آخرين . وقيل : الدعاء مذكور في الآيتين ، ودعاء عريض في الثاني .
460 -
قوله : ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته بزيادة " منا " ، و " من " ، وفي هود :
ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ؛ لأن ما في هذه السورة بين جهة الرحمة ، وبالكلام حاجة إلى ذكرها ، وحذف في هود اكتفاء بما قبله ، وهو قوله :
ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ، وزاد في هذه السورة " من " لأنه لما حد الرحمة والجهة الواقعة منها ، حد الطرف الذي بعدها ؛ ليتشاكلا في التحديد .
وفي هود لما أهمل الأول أهمل الثاني .
461 -
قوله : أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به ، وفي الأحقاف :
وكفرتم به بالواو ؛ لأن معناه في هذه السورة : كان عاقبة أمركم بعد الإمهال للنظر والتدبر : الكفر ، فحسن دخول " ثم " ، وفي الأحقاف عطف عليه
وشهد شاهد فلم يكن عاقبة أمرهم ، فكان من مواضع الواو .