أسرار التكرار في القرآن

الكرماني - محمود بن حمزة الكرماني

صفحة جزء
سورة المائدة

81 - قوله : واخشون اليوم بحذف الياء ، وكذلك : واخشون ولا تشتروا . وفي البقرة وغيرها : واخشوني بالإثبات ؛ لأن الإثبات هو الأصل ، [ ص: 100 ] وحذفت الياء من واخشون اليوم من الخط لما حذفت من اللفظ ، وحذفت من واخشون ولا تشتروا موافقة لما قبلها .

82 - قوله : واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور ، ثم أعاد فقال : واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ؛ لأن الأول وقع على النية وهي بذات الصدور ، والثاني على العمل .

وعن ابن كثير : أن الأولى نزلت في اليهود ، وليس بتكرار .

83 - قوله : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم . وقال في سورة الفتح : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما . رفع ما في هذه السورة موافقة لفواصل الآي ، ونصب ما في الفتح موافقة للفواصل أيضا ، ولأنه في الفتح مفعول " وعد " .

وفي مفعول " وعد " في هذه السورة أقوال :

أحدها : محذوف دل عليه " وعد " ، خلاف ما دل عليه " أوعد " ، أي : خيرا . وقوله : لهم مغفرة يفسره . وقيل : لهم مغفرة جملة وقعت موقع المفرد ، ومحلها نصب كما قال الشاعر :


وجدنا الصالحين لهم جزاء وجنات وعينا سلسبيلا



فعطف " جنات " على محل " لهم جزاء " . وقيل : رفع على الحكاية ؛ لأن الوعد قول ، وتقديره : قال الله : لهم مغفرة . وقيل : تقديره : إن لهم مغفرة . فحذف إن فارتفع ما بعده .

[ ص: 101 ] 84 - قوله : يحرفون الكلم عن مواضعه ، وبعده : يحرفون الكلم من بعد مواضعه ؛ لأن الأولى في أوائل اليهود ، والثانية فيمن كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي : حرفوها بعد أن وضعها الله مواضعها ، وعرفوها ، وعملوا بها زمانا .

85 - قوله : ونسوا حظا مما ذكروا به كرر لأن الأولى في اليهود ، والثانية في حق النصارى ، والمعنى : لم ينالوا منه نصيبا . وقيل : معناه : ونسوا نصيبا . وقيل : معناه : تركوا بعض ما أمروا به .

86 - قوله : يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم . . . ، ثم كررها فقال : يا أهل الكتاب ؛ لأن الأولى نزلت في اليهود حين كتموا صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وآية الرجم من التوراة ؛ والنصارى حين كتموا بشارة عيسى بمحمد - صلى الله عليه وسلم - في الإنجيل ، وهو قوله : يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب . ثم كرر فقال : وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه فكرر : يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم ، أي : [ ص: 102 ] شرائعكم ، فإنكم على ضلال لا يرضاه الله على فترة من الرسل : على انقطاع منهم ودروس مما جاءوا به ، والله أعلم .

87 - قوله : ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء . ثم كرر فقال : ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير كرر ؛ لأن :

الأولى : نزلت في النصارى حين قالوا : إن الله هو المسيح ابن مريم ، فقال : ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما ، ليس فيهما معه شريك ، ولو كان عيسى إلها لاقتضى أن يكون معه شريكا ، ثم من يذب عن المسيح وأمه وعمن في الأرض جميعا إن أراد إهلاكهم ، فإنهم كلهم مخلوقون له ، وإن قدرته شاملة عليهم ، وعلى كل ما يريد بهم .

والثانية : نزلت في اليهود والنصارى حين قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، فقال : ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما ، والأب لا يملك ابنه ، ولا يهلكه ، ولا يعذبه ، وأنتم مصيركم إليه ، فيعذب من يشاء منكم ، ويغفر لمن يشاء .

[ ص: 103 ] 88 - قوله : وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا . . . ، وقال في سورة إبراهيم : وإذ قال موسى لقومه اذكروا . . . ؛ لأن تصريح اسم المخاطب مع حرف الخطاب يدل على تعظيم المخاطب به ، ولما كان ما في هذه السورة نعما جساما ما عليها من مزيد ، وهو قوله : جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ، صرح فقال : " يا قوم " ، ولموافقته ما قبله وما بعده من النداء ، وهو قوله : يا قوم ادخلوا ، و يا موسى إنا ، ولم يكن ما في إبراهيم بهذه المنزلة ، فاقتصر على حرف الخطاب .

89 - قوله : ومن لم يحكم بما أنزل الله كرره ثلاث مرات ، وختم الأولى بقوله : فأولئك هم الكافرون ، والثانية بقوله : فأولئك هم الظالمون ، والثالثة بقوله : فأولئك هم الفاسقون ، قيل : لأن الأولى نزلت في حكام المسلمين ، والثانية في حكام اليهود ، والثالثة في حكام النصارى . وقيل : الكافر والفاسق والظالم كلها بمعنى واحد ، وهو الكفر ، عبر عنه بألفاظ مختلفة لزيادة الفائدة ، واجتناب صورة التكرار .

وقيل : ومن لم يحكم بما أنزل الله إنكارا له فهو كافر ، ومن لم يحكم بالحق مع اعتقاده حقا وحكم بضده فهو ظالم ، ومن لم يحكم بالحق جهلا وحكم بضده فهو فاسق . وقيل : ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر بنعمة الله ، ظالم في حكمه ، فاسق في فعله .

90 - قوله : لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة كرر لأن النصارى اختلفت أقوالهم :

[ ص: 104 ] فقالت اليعقوبية : إن الله تعالى ربما تجلى في بعض الأزمان في شخص ، فتجلى يومئذ في شخص عيسى ، فظهرت منه المعجزات .

وقالت الملكية : إن الله اسم يجمع أبا وابنا وروح القدس ، اختلفت بالأقانيم ، والذات واحدة ، فأخبر الله - عز وجل - أنهم كلهم كفار .

91 - قوله : لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ، ذكر في هذه السورة هذه الخلال جملة ، ثم فصل لأنها أول ما ذكرت .

التالي السابق


الخدمات العلمية