سورة الأعراف
119 -
قوله : قال ما منعك في هذه السورة ، وفي ص :
قال يا إبليس ما منعك ، وفي الحجر :
قال يا إبليس ما لك بزيادة
يا إبليس في السورتين ؛ لأن خطابه قرب من ذكره في هذه السورة ، وهو قوله :
إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ، فحسن حذف حرف النداء والمنادى ، ولم يقرب في " ص " قربه منه في هذه السورة ؛ لأن في " ص " :
إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين بزيادة
استكبر ، فزاد حرف النداء والمنادى فقال :
يا إبليس ، وكذلك ( في ) الحجر ، فإن فيها :
إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين بزيادة " أبى " ، فزاد حرف النداء والمنادى فقال :
يا إبليس ما لك .
120 -
قوله : ألا تسجد ، وفي " ص " :
أن تسجد ، وفي الحجر :
ما لك ألا تكون فزاد في
[ ص: 117 ] هذه السورة " لا " ، وللمفسرين في " لا " أقوال : قال بعضهم : " لا " صلة ، كما في قوله :
لئلا يعلم . وقال بعضهم : الممنوع من الشيء مضطر إلى ما منع . وقال بعضهم : معناه : ما الذي جعلك في منعة من عذابي . وقال بعضهم : معناه : من قال لك : " لا تسجد " ؟
وقد ذكرت ذلك وأخبرت بالصواب في كتابي ( لباب التفسير ) . والذي يليق بهذا الكتاب أن نذكر ما السبب الذي خص هذه السورة بزيادة " لا " دون السورتين .
قلت : لما حذف منها " يا إبليس " ، واقتصر على الخطاب ؛ جمع بين لفظ المنع ولفظ " لا " زيادة في النفي ، وإعلاما أن المخاطب به إبليس ، خلافا للسورتين ، فإنه صرح فيهما باسمه .
وإن شئت قلت : جمع في هذه السورة بين ما في " ص " ، وما في الحجر ، فقال : ما منعك أن تسجد - ما لك ألا تسجد . فحذف
أن تسجد ، وحذف " ما لك " لدلالة الحال ودلالة السورتين عليه ، فبقي
ما منعك ألا تسجد ، وهذه لطيفة فاحفظها .
121 -
قوله : أنظرني إلى يوم يبعثون ، وفي الحجر و " ص " : " رب فأنظرني " ؛ لأنه - سبحانه - لما اقتصر في السؤال على الخطاب دون صريح الاسم في هذه السورة اقتصر في الجواب أيضا على الخطاب دون ذكر المنادى . وأما زيادة الفاء في السورتين دون هذه السورة فلأن داعية الفاء ما يتضمنه النداء من : أدعو ، أو أنادي ، نحو :
ربنا فاغفر لنا أي : أدعوك . وكذلك داعية الواو في قوله :
ربنا وآتنا ، فحذف
[ ص: 118 ] المنادى في هذه السورة ، فلما حذفه انحذفت الفاء .
122 -
قوله : إنك من المنظرين في هذه السورة ، وفي السورتين : " قال فإنك " ؛ لأن الجواب يبنى على السؤال ، ولما خلا في هذه السورة عن الفاء خلا الجواب عنه . ولما ثبتت الفاء في السؤال في السورتين ثبتت ( في الجواب ، والجواب ) في السور الثلاث إجابة ، وليس باستجابة .
123 -
قوله : فبما أغويتني في هذه السورة ، وفي " ص " :
فبعزتك لأغوينهم ، وفي الحجر :
رب بما أغويتني ؛ لأن ما في هذه السورة موافق لما قبله في الاقتصار على الخطاب دون النداء ، وما في الحجر موافق لما قبله في مطابقة النداء ، وزاد في هذه السورة الفاء التي ( هي ) للعطف ، ليكون الثاني مربوطا بالأول ، ولم تدخل في الحجر ، فاكتفى بمطابقة النداء ؛ لامتناع النداء منه ، لأنه ليس بالذي يستدعيه النداء ، فإن ذلك يقع مع السؤال والطلب ، وهذا قسم عند أكثرهم ، بدليل ما في " ص " ، وخبر عند بعضهم ، والذي في " ص " على قياس ما في الأعراف دون الحجر ؛ لأن موافقتهما أكثر على ما سبق ، فقال :
فبعزتك ، والله أعلم .
وهذا الفصل في هذه السورة برهان لامع . وسأل الخطيب نفسه عن هذه المسائل ، فأجاب عنها وقال : إن اقتصاص ما مضى إذا لم يقصد به أداء الالفاظ بأعيانها ؛ كان اختلافها واتفاقها سواء ، إذا أدى
[ ص: 119 ] المعنى المقصود . وهذا جواب حسن ، إن رضيت به كفيت مؤنة السهر إلى السحر .
124 -
قوله : قال اخرج منها مذءوما مدحورا ليس في القرآن غيره ؛ لأنه سبحانه لما بالغ في الحكاية عنه بقوله :
لأقعدن لهم الآية ، بالغ في ذمه فقال :
اخرج منها مذءوما مدحورا . والذأم : أشد الذم .
125 -
قوله : فكلا سبق في البقرة .
126 -
قوله : ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم بالفاء حيث وقع ، إلا في يونس " 49 " فإنه هنا جملة عطفت على جملة بينهما اتصال وتعقب ، فكان الموضع موضع الفاء ، وما في يونس يأتي في موضعه .
127 -
قوله : وهم بالآخرة كافرون ما في هذه السورة جاء على القياس ، وتقديره : وهم كافرون بالآخرة ، ( فقدم بالآخرة ) تصحيحا لفواصل الآي ، وفي هود لما تقدم :
هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ثم قال :
ألا لعنة الله على الظالمين . ولم يقل : ( عليهم ) ، والقياس ذلك ، ( ولو قال ) لالتبس أنهم هم أم غيرهم ، فكرر وقال :
وهم بالآخرة هم كافرون ليعلم أنهم هم المذكورون لا غيرهم ، وليس ( هم ) ههنا للتوكيد كما زعم بعضهم ؛ لأن ( ذلك ) يزاد مع الألف واللام ملفوظا أو مقدرا .
128 -
قوله : وهو الذي يرسل الرياح في هذه
[ ص: 120 ] السورة ، وفي الروم بلفظ المستقبل . وفي الفرقان وفاطر بلفظ الماضي ؛ لأن ما قبلها في هذه السورة ذكر الخوف والطمع ، وهو قوله :
وادعوه خوفا وطمعا ، وهما يكونان في المستقبل لا غير ، فكان
يرسل بلفظ المستقبل أشبه بما قبله . وفي الروم قبله :
ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره فجاء بلفظ المستقبل وفقا لما قبله .
وأما في الفرقان فإن قبله :
كيف مد الظل الآية . وبعد الآية :
وهو الذي جعل لكم ، و
مرج ، و
خلق . فكان الماضي أليق به .
وفي " فاطر " مبني على أول السورة :
الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة وهما بمعنى الماضي لا غير ، فبنى ( على ) ذلك فقال :
أرسل بلفظ الماضي ، ليكون الكل على مقتضى اللفظ الذي خص به .
129 -
قوله : لقد أرسلنا نوحا في هذه السورة بغير واو ، وفي هود " 25 " ، والمؤمنون " 23 " " ولقد " بالواو ؛ لأنه لم يتقدم في هذه السورة ذكر رسول ، فيكون هذا عطفا عليه ، بل هو استئناف كلام . وفي هود تقدم ذكر الرسول مرات ، وفي
[ ص: 121 ] المؤمنون تقدم ذكر نوح ضمنا في قوله :
وعلى الفلك ، لأنه أول من صنع الفلك ، فعطف في السورتين بالواو .
130 -
قوله : " أرسلنا نوحا إلى قومه فقال " بالفاء في هذه السورة ، وكذلك في المؤمنون في قصة
نوح :
فقال ، وفي هود في قصة
نوح :
إني لكم بغير " قال " ، وفي هذه السورة في قصة
عاد بغير فاء ، لأن إثبات الفاء هو الأصل ، وتقديره : أرسلنا
نوحا فجاء فقال . فكان في هذه السورة والمؤمنون على ما يوجبه اللفظ .
وأما في هود فالتقدير : فقال : إني . فأضمر قال ، وأضمر معه الفاء ، وهذا كما قلنا في قوله تعالى :
فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم أي فيقال لهم : أكفرتم . فأضمر الفاء والقول معا .
وأما قصة
عاد فالتقدير : وأرسلنا إلى
عاد أخاهم
هودا فقال . فأضمر " أرسلنا " ، وأضمر الفاء ؛ لأن داعي الفاء " أرسلنا " .
131 -
قوله : قال الملأ بغير فاء في قصة
نوح وهود في هذه السورة ، وفي سورة هود والمؤمنون : " فقال " ( بالفاء ) ؛ لأن ما في هذه السورة في السورتين لا يليق بالجواب ، وهو قولهم
لنوح :
إنا لنراك في ضلال مبين ، وقولهم
لهود :
إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين بخلاف السورتين ، فإنهم أجابوا فيهما بما زعموا أنه جواب .
132 -
قوله : أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم في
[ ص: 122 ] قصة
نوح . وقال في قصة
هود :
وأنا لكم ناصح أمين ، لأن ما في هذه الآية :
أبلغكم بلفظ المستقبل ، فعطف عليه
أنصح لكم كما في الآية الأخرى :
لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم . فعطف الماضي ، لكن في قصة
هود قابل باسم الفاعل على قولهم له :
وإنا لنظنك من الكاذبين ليقابل الاسم بالاسم .
133 -
قوله : " أبلغكم " في قصة
نوح وهود بلفظ المستقبل ، وفي قصة
صالح وشعيب : " أبلغتكم " بلفظ الماضي ؛ لأن في قصة
نوح وهود وقع في ابتداء الرسالة ، وفي قصة
صالح وشعيب وقع في آخر الرسالة ودنو العذاب ، ألا تسمع قوله : " فتولى عنهم " في القصتين ؟
134 -
قوله : رسالات ربي في جميع القصص ، إلا في قصة
صالح فإن فيها :
رسالة على الواحدة ، لأنه سبحانه حكى عنهم بعد الإيمان بالله والتقوى أشياء أمروا قومهم بها ، إلا في قصة
صالح ، فإن فيها ذكر الناقة فصار كأنها رسالة واحدة ، وقوله :
برسالاتي وبكلامي مختلف فيها .
135 -
قوله : فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا . وفي يونس :
فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك ؛ لأن أنجينا ونجينا للتعدي ، لكن التشديد يدل على الكثرة والمبالغة فكان في يونس
ومن معه ، ولفظ " من " يقع على كثرة مما يقع عليه " الذين " لأن من يصلح للواحد والتثنية والجمع ، والمذكر والمؤنث ، بخلاف " الذين " فإنه لجمع
[ ص: 123 ] المذكر فحسب ، فكان التشديد ( مع من ) أليق .
136 - قوله في هذه السورة :
ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ، وفي هود :
ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ، وفي الشعراء :
ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم ؛ لأنه في هذه السورة بالغ في الوعظ ، فبالغ في الوعيد ، فقال :
عذاب أليم ، وفي هود لما اتصل بقوله :
تمتعوا في داركم ثلاثة أيام وصفه بالقرب فقال :
عذاب قريب ، وزاد في الشعراء ذكر اليوم ؛ لأن قبله :
لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ، فالتقدير : لها شرب يوم معلوم ، فختم الآية بذكر اليوم فقال :
عذاب يوم عظيم .
137 -
قوله : فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين على الوحدة ، وقال :
وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين حيث ( ذكر الرجفة وهي الزلزلة ) وحد الدار . وحيث ذكر الصيحة جمع ؛ لأن الصيحة كانت من السماء ، فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة ، فاتصل كل واحد بما هو لائق به .
138 -
قوله : ما نزل الله بها من سلطان ، في هذه السورة
نزل ، وفي غيرها : " أنزل " ؛ لأن " أفعل " كما ذكرت آنفا للتعدي ، و " فعل " للتعدي والتكثير ، فذكر في الموضع الأول بلفظ المبالغة ليجري مجرى ذكر الجملة والتفصيل ، وذكر الجنس والنوع ، فيكون الأول كالجنس وما سواه كالنوع .
139 -
قوله : وتنحتون الجبال بيوتا في هذه
[ ص: 124 ] السورة ، وفي غيرها
من الجبال ؛ لأن في هذه السورة تقدمه
من سهولها قصورا ، فاكتفى بذلك .
140 -
قوله : وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين في هذه ( السورة ) ، وفي غيرها : " فساء مطر المنذرين " ؛ لأن في هذه السورة وافق ما بعده ، وهو قوله :
وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين .
141 -
قوله : ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة بالاستفهام ، وهو استفهام تقريع وتوبيخ وإنكار . وقال بعده :
إنكم لتأتون الرجال فزاد مع الاستفهام " إن " لأن التقريع والتوبيخ والإنكار في الثاني أكثر ، ومثله في النمل :
أتأتون . وبعده
أإنكم لتأتون الرجال فجمع بين : إن ، وأئن ؛ وذلك لموافقة آخر القصة ، فإن في الآخرة :
إنا منجوك ،
إنا منزلون ، فتأمل فيه فإنه صعب المستخرج .
142 -
قوله : بل أنتم قوم مسرفون ، في هذه السورة بلفظ الاسم ، وفي النمل :
قوم تجهلون بلفظ الفعل ؛ لأن كل إسراف جهل ، وكل جهل إسراف . ثم ختم الآية بلفظ الاسم موافقة لرؤوس الآيات التي تقدمت ، وكلها أسماء
العالمين ،
الناصحين ، و
جاثمين ، و
المرسلين ، و
كافرون ، و
مؤمنون ، و
مفسدين ،
[ ص: 125 ] وفي النمل وافق ما قبلها من الآيات ، وكلها أفعال : " يبصرون " ،
يتقون ،
تعلمون .
143 -
قوله : وما كان جواب قومه بالواو في هذه السورة ، وفي غيرها :
فما بالفاء ؛ لأن ما قبله اسم ، والفاء للتعقيب ، والتعقيب يكون مع الأفعال ، فقال في النمل :
تجهلون فما كان ، وكذلك في العنكبوت في هذه القصة :
وتأتون في ناديكم المنكر فما كان ، وفي هذه السورة :
مسرفون وما كان .
وفي هذه السورة :
أخرجوهم ، وفي النمل :
أخرجوا آل لوط ، ولأن ما في هذه السورة كناية فسرها في السورة التي بعدها . وفي النمل قال الخطيب : سورة النمل نزلت قبل هذه السورة ، فصرح في الأولى ، وكنى في الثانية .
144 -
قوله : كانت من الغابرين في هذه السورة ، وفي النمل :
قدرناها من الغابرين ( أي : كانت في علم الله من الغابرين ، فقدرناها من الغابرين . وعلى وزن قول الخطيب : قدرناها من الغابرين ) فصارت من الغابرين . وكان بمعنى صار ، وقد فسر
كان من الجن بالوجهين .
145 -
قوله : بما كذبوا من قبل في هذه السورة ، وفي يونس :
بما كذبوا به ، ولأن أول القصة في هذه السورة :
ولو أن أهل القرى آمنوا . . . ، وفي الآية :
. . . ولكن كذبوا فأخذناهم وليس بعدها الباء ، فختم القصة بمثل ما بدأ به ، وكذلك في يونس وافق ما قبله :
فكذبوه فنجيناه ،
[ ص: 126 ] كذبوا بآياتنا فختم بمثل ذلك فقال :
بما كذبوا به .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما في حق العقلاء من التكذيب فبغير الباء ، نحو قوله :
فكذبوا رسلي ، و
كذبوه ، وغيره . وما في حق غيرهم بـ ( باء ، نحو ) : " كذبوا بآياتنا " وغيرها ، وعند المحققين تقديره : فكذبوا رسلنا برد آياتنا حيث وقع .
146 -
قوله : كذلك يطبع الله ، وفي يونس :
نطبع بالنون ؛ لأن في هذه السورة قدم ذكر الله سبحانه بالصريح والكناية ، فجمع بينهما فقال :
ونطبع على قلوبهم بالنون ، وختم الآية بالصريح فقال :
كذلك يطبع الله . وأما في يونس فمبني على ما قبله من قوله :
فنجيناه ،
وجعلناهم ، و
ثم بعثنا بلفظ الجمع ، فختم بمثله فقال :
كذلك نطبع على قلوب المعتدين .
147 -
قوله : قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم ، وفي الشعراء :
قال لمن حوله ؛ لأن التقدير في هذه الآية : قال الملأ من قوم
فرعون وفرعون بعض لبعض . فحذف
فرعون لاشتمال الملإ من آل
فرعون . فحذف
فرعون ؛ لأن آل
فرعون اشتمل على اسمه ، فالقائل هو
فرعون وحده بدليل الجواب وهو :
قالوا أرجه وأخاه بلفظ التوحيد ، والملأ هم المقول
[ ص: 127 ] لهم ، إذ ليس في الآية مخاطبون بقوله :
يخرجكم من أرضكم غيرهم . فتأمل فيه فإنه برهان للقرآن شاف .
148 -
قوله : يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون ، وفي الشعراء :
من أرضكم بسحره ؛ لأن الآية الأولى في هذه السورة بنيت على الاقتصار ، وكذلك الآية الثانية ، ولأن لفظ الساحر يدل على السحر .
149 -
قوله : وأرسل ، وفي الشعراء :
وابعث ؛ لأن الإرسال يفيد معنى البعث ، ويتضمن نوعا من العلو ؛ لأنه يكون من فوق ، فخصصت هذه السورة به لما التبس ، ليعلم أن المخاطب به فرعون دون غيره .
150 -
قوله : بكل ساحر عليم ، وفي الشعراء :
بكل سحار ؛ لأنه راعى ما قبله في هذه السورة وهو قوله :
إن هذا لساحر عليم ، وراعى في الشعراء الإمام فإنه فيه
بكل سحار بالألف . وقرئ في هذه السورة
سحار أيضا طلبا للمبالغة ، وموافقة لما في الشعراء .
151 -
قوله : وجاء السحرة فرعون قالوا ، وفي الشعراء :
فلما جاء السحرة قالوا لفرعون ؛ لأن القياس في هذه السورة : فلما جاء السحرة
فرعون قالوا ، أو فقالوا ؛ لا بد من ذلك . لكن أضمر فيه " فلما " فحسن حذف الفاء ، وخص هذه السورة بإضمار " فلما " ؛ لأن ما في هذه السورة وقع على الاختصار والاقتصار على ما سبق . وأما تقديم
فرعون وتأخيره في الشعراء فلأن التقدير فيهما : فلما جاء السحرة
فرعون قالوا
لفرعون ، فأظهر الأول في هذه السورة لأنها الأولى ، وأضمر الثاني في الشعراء لأنها الثانية .
152 -
قوله : قال نعم وإنكم لمن المقربين ، وفي الشعراء
إذا لمن المقربين ؛ لأن " إذا " في هذه
[ ص: 128 ] السورة مضمرة مقدرة ؛ لأن إذا جزاء ، ومعناه : إن غلبتم قربتكم ورفعت منزلتكم ، وخص هذه السورة بالإضمار اختصارا .
153 -
قوله : إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ، وفي طه :
إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى . راعى في السورتين أواخر الآي ، ومثله :
فألقي السحرة ساجدين في السورتين ، وفي طه :
سجدا ، وفي السورتين أيضا : " آمنا برب العالمين " ، وليس في طه : " رب العالمين " ، وفي السورتين : " رب موسى وهارون " ، وفي هذه :
فسوف تعلمون لأقطعن ، وفي الشعراء :
فلسوف تعلمون لأقطعن ، وفي طه :
فلأقطعن ، وفي السورتين :
لأصلبنكم أجمعين ، وفي طه :
ولأصلبنكم في جذوع النخل ، وهذا كله مراعاة لفواصل الآي ؛ لأنها مرعية تنبني عليها مسائل كثيرة .
154 - قوله في هذه السورة :
آمنتم به ، وفي
[ ص: 129 ] السورتين : " آمنتم له " لأن ( الضمير ) هنا يعود إلى رب العالمين ، وهو المؤمن به سبحانه ، وفي السورتين يعود إلى
موسى ، ( وهو المؤمن له ) ؛ لقوله : " إنه لكبيركم " ، وقيل : آمنتم به وآمنتم له واحد .
155 -
قوله : قال فرعون ، وفي السورتين : " قال آمنتم " ؛ لأن هذه السورة متعقبة على السورتين ، فصرح في الأولى وكنى في الأخريين وهو القياس . قال
الخطيب : لأن في هذه السورة بعد عن ذكر
فرعون بآيات فصرح ، وقرب في السورتين من ذكره فكنى .
156 -
قوله : ثم لأصلبنكم ، وفي السورتين :
ولأصلبنكم ؛ لأن ثم تدل على أن الصلب يقع بعد التقطيع ، وإذا دل في الأولى ، علم في غيرها ، ولأن موضع الواو تصلح له ثم .
157 -
قوله : إنا إلى ربنا منقلبون ، وفي الشعراء :
لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون بزيادة
لا ضير ؛ لأن هذه السورة اختصرت فيها هذه القصة ، وأشبعت في الشعراء ، وذكر فيها أول أحوال
موسى مع
فرعون إلى آخرها ، فبدأ بقوله :
ألم نربك فينا وليدا ، وختم بقوله :
ثم أغرقنا الآخرين ، فلهذا وقع فيها زوائد لم تقع في الأعراف وطه فتأمل وتدبر تعرف إعجاز القرآن .
158 -
قوله يسومونكم سوء العذاب يقتلون بغير واو على البدل ، وقد سبق .
159 -
قوله : من يهد الله فهو المهتدي بإثبات الياء على الأصل ، وفي غيرها بغير ياء على التخفيف .
[ ص: 130 ] 160 -
قوله : قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله في هذه السورة ، وفي يونس :
قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله ؛ لأن أكثر ما جاء في القرآن من لفظي الضر والنفع معا جاء بتقديم لفظ الضر على النفع ؛ لأن العابد يعبد معبوده خوفا من عقابه أولا ، ثم طمعا في ثوابه ثانيا ، يقويه قوله :
يدعون ربهم خوفا وطمعا ، وحيث تقدم النفع على الضر تقدم لسابقة لفظ تضمن نفعا ، وذلك في ثمانية مواضع ، ثلاثة منها بلفظ الاسم ، وهي : ههنا ، والرعد ، وسبأ . وخمسة بلفظ الفعل ، وهي في الأنعام :
ينفعنا ولا يضرنا ، وآخر في يونس :
ما لا ينفعك ولا يضرك ، وفي الأنبياء :
ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ، وفي الفرقان :
ما لا ينفعهم ولا يضرهم ، وفي الشعراء :
ينفعونكم أو يضرون .
أما في هذه السورة فقد تقدمه :
من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل . . . فقدم الهداية على الضلالة ، وبعد ذلك :
لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ، فقدم الخير على السوء ، فلذلك قدم النفع على الضر .
وفي الرعد :
طوعا وكرها فقدم الطوع ، وفي سبأ :
يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر فقدم البسط .
وفي يونس قدم الضر على الأصل ، ولموافقة ما قبلها :
ما لا يضرهم ولا ينفعهم ، وفيها :
وإذا مس الإنسان الضر فيكون في الآية ثلاث مرات .
وكذلك ما جاء بلفظ الفعل ، فلسابقة معنى يتضمن فعلا .
[ ص: 131 ] أما سورة الأنعام ففيها :
ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ، ثم وصلها بقوله :
قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ، وفي يونس تقدمه قوله :
ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ، ثم قال :
ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ، وفي الأنبياء تقدم في الكفار لإبراهيم في المجادلة :
لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ، وفي الفرقان تقدمه قوله :
ألم تر إلى ربك كيف مد الظل . وعد نعما جمة في الآيات ، ثم قال :
ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم . فتأمل فإنه برهان القرآن .
161 -
قوله : وخيفة ذكرت في المتشابه وليست منه ؛ لأنها من الخوف . و " خفية " من قوله تعالى :
تدعونه تضرعا وخفية من : خفى الشيء ؛ إذا استتر .