[ ص: 194 ] فصل واعلم أن تحقيق الكلام دون التحريف فيه أن يقال: إن هذه
الآية ليست بمنسوخة ، لأنه لم يأمر بالعفو مطلقا ، وإنما أمر به إلى غاية وبين الغاية بقوله:
حتى يأتي الله بأمره وما بعد الغاية يكون حكمه مخالفا لما قبلها ، وما هذا سبيله لا يكون أحدهما ناسخا للآخر ، بل يكون الأول قد انقضت مدته بغايته ، والآخر محتاج إلى حكم آخر ، وقد ذهب إلى ما قلته جماعة من فقهاء المفسرين، وهو الصحيح ، وهذا إذا قلنا: إن المراد العفو عن قتالهم ، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : هذا فيما بينكم وبينهم دون ترك حق الله تعالى حتى يأتي الله بالقيامة .
وقال غيره: بالعقوبة ، فعلى هذا يكون الأمر بالعفو محكما لا منسوخا .
[ ص: 195 ] ذكر الآية السابعة: قوله تعالى:
ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على ثمانية أقوال: أحدها: أنها نزلت في اشتباه القبلة .
" أخبرنا
أبو بكر بن حبيب ، قال: أخبرنا
علي بن الفضل ، قال: أخبرنا
محمد بن عبد الصمد ، قال: حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد ، قال: أخبرنا
إبراهيم بن خريم ، قال: حدثنا
عبد الحميد ، قال: أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، قال: أخبرنا
أشعث بن سعيد ، قال: حدثنا
عاصم بن عبيد الله ، عن
عبد الله بنا
عامر بن ربيعة ، عن أبيه ، قال: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=907427كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة في ليلة سوداء مظلمة ، فلم نعرف القبلة ، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم [ ص: 196 ] وروى
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=16248بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها ، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة ، فقالت طائفة: القبلة هاهنا فصلوا وخطوا خطا ، وقال بعضهم هاهنا فصلوا وخطوا خطا ، فلما أصبحنا أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة ، فلما قفلنا من سفرنا سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فسكت ، فأنزل الله تعالى: فأينما تولوا فثم وجه الله .
[ ص: 197 ] قلت: وهذا الحكم باق عندنا ، وإن من اشتبهت عليه القبلة فصلى بالاجتهاد فصلاته صحيحة مجزية ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي ، قولان:
[ ص: 198 ] أحدهما: كمذهبنا .
والثاني: يجب الإعادة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
وربيعة يعيد في الوقت ، فإذا فات الوقت لم يعد ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
القول الثاني: إن المراد بالآية صلاة التطوع .
" أخبرنا
أبو بكر بن حبيب ، قال: أبنا
علي بن الفضل ، قال: أخبرنا
ابن عبد الصمد ، قال: أخبرنا
عبد الله بن أحمد بن حموية ، قال: أبنا
[ ص: 199 ] إبراهيم بن خريم ، قال: حدثنا
عبد الحميد ، قال: أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، قال: أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16486عبد الملك بن أبي سليمان ، قال: سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير يحدث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=665253كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به ، وهو جاء من مكة إلى المدينة ، ثم قرأ nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنه: في هذا أنزلت الآية " القول الثالث:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صلى على nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي ، قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي على غير قبلتنا ؟ ، وكان يصلي إلى بيت المقدس حتى مات ، وقد صرفت القبلة إلى الكعبة ، فنزلت هذه الآية ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما .
[ ص: 200 ] القول الرابع أن المراد بالآية: أينما كنتم من شرق أو غرب فاستقبلوا
الكعبة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد .
القول الخامس أن اليهود لما تكلموا حين صرفت القبلة إلى
الكعبة نزلت هذه الآية ، ومعناها لا تلتفتن إلى اعتراض اليهود بالجهل ، وإن المشرق والمغرب لله يتعبدكم بالصلاة إلى مكان ثم يصرفكم عنه كما يشاء ، ذكره
أبو بكر بن الأنباري ، وقد روى معناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما .
[ ص: 201 ] والقول السادس أنه ليس المراد بالصلاة وحدها وإنما معنى الآية من أي وجه قصدتم الله ، وعلى أي حال عبدتموه ، علم ذلك وأثابكم عليه .
والعرب تجعل الوجه بمعنى القصد ، قال الشاعر: أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل معناه: إليه القصد والتقدم ، ذكره
محمد بن القاسم أيضا .
والقول السابع: أن معنى الآية أينما كنتم من الأرض فعلم الله بكم محيط ، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، ذكره
ابن القاسم أيضا ، وعلى هذه الأقوال الآية محكمة .
القول الثامن: ذكر أربابه أنها منسوخة ، فروى
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما ، قال:
أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة ، قوله [ ص: 202 ] تعالى: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته صخرة بيت المقدس فصلى إليها ، وكانت قبلة اليهود ، ليؤمنوا به وليتبعوه وليدعو بذلك الأميين من العرب ، فنسخ ذلك ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره .
" أخبرنا
إسماعيل بن أحمد السمرقندي ، قال: أبنا
أبو الفضل عمر بن عبيد الله البقال ، قال: أبنا
nindex.php?page=showalam&ids=12992أبو الحسين علي بن محمد بن بشران ، قال: أبنا
أبو الحسين إسحاق بن أحمد الكاذي ، قال: أبنا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15697حجاج بن محمد ، قال: أنبا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: "
أول ما نسخ من القرآن ، فيما ذكر لنا والله أعلم ، شأن القبلة ، قال: [ ص: 203 ] ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس ، وترك البيت العتيق ، ثم صرفه الله إلى البيت العتيق ، فقال: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها يعنون بيت المقدس ، فنسخها وصرف إلى البيت العتيق ، فقال: ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16505عبد الوهاب بن عطاء ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : "
فأينما تولوا فثم وجه الله ، قال: كانوا يصلون نحو
بيت المقدس ، ونبي الله
بمكة ، وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو
بيت المقدس ستة عشر شهرا ، ثم وجهه الله تعالى بعد ذلك نحو
الكعبة البيت الحرام " قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وأبنا
nindex.php?page=showalam&ids=16365عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال: بنا
nindex.php?page=showalam&ids=17258همام ، قال: أبنا
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة :
فأينما تولوا فثم وجه الله ، قال: وكانوا يصلون نحو
بيت المقدس ثم وجهه الله نحو
الكعبة .
[ ص: 204 ] وقال عز وجل:
فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من قبلة " أخبرنا
محمد بن عبد الله العامري ، قال: أبنا
علي بن الفضل ، قال: أبنا
محمد بن عبد الصمد ، قال: أبنا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد ، قال: أبنا
إبراهيم بن خريم ، قال: أبنا
عبد الحميد ، قال: أبنا
يونس ، عن
شيبان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة "
فأينما تولوا فثم وجه الله ، قال: نسخ هذا بعد ذلك ، فقال الله عز وجل:
فول وجهك شطر المسجد الحرام " .
قلت: وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبي العالية nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي .