صفحة جزء
[ ص: 477 ] 9- باب: ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة يونس عليه السلام

ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم الكلام في هذه كالكلام في نظيرتها في الأنعام ، وقد تكلمنا عليها هناك ومقصود الآيتين تهديد المخالف ، وأضيف إلى الرسول ليصعب الأمر فيه ، وليس هاهنا نسخ ، ويقوي ما قلنا ، أن المراد بالمعصية هاهنا تبديل القرآن والتقول على الله تعالى ، وموافقة المشركين على ما هم عليه ، وهذا لا يدخل في قوله: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك كيف وقد قال عز وجل: ولو تقول علينا بعض الأقاويل وقال: لئن أشركت ليحبطن عملك وقال: إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ، وإنما [ ص: 478 ] هذا وأمثاله للمبالغة في بيان آثار المعاصي ، وليس من ضرورة ما علق بشرط أن يقع .

ذكر الآية الثانية: قوله تعالى: وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم روى أبو صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: نسختها آية السيف ، وهذا بعيد من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه لا يصح عن ابن عباس .

والثاني: أنه ليس بين الآيتين تناف ، والمنسوخ لا يصح اجتماعه مع الناسخ .

والثالث: أنه لا يصح أن يدعى نسخ هذه الآية بل ، إن قيل مفهومها منسوخ ، ومفهومها عندهم ، فقل لي عملي ، واقتصر على ذلك ولا تقاتلهم ، وليس الأمر كذلك إنما معنى الآية: لي جزاء عملي ، فإن كنت كاذبا فوباله علي ، ولكم جزاء عملكم في تكذيبكم لي ، وفائدة هذا أنه لا يجازى أحد إلا بعمله ولا يؤخذ بجرم غيره، وهذا لا يمنع من قتالهم وهو أقرب إلى ما يفهم منها فلا وجه للنسخ .

[ ص: 479 ] ذكر الآية الثالثة: قوله تعالى: وإما نرينك بعض الذي نعدهم ، زعم بعضهم: أنها منسوخة بآية السيف ، فكأنه ظن أن معناها اترك قتالهم ، فربما رأيت بعض الذي نعدهم ، وليس هذا شيء .

ذكر الآية الرابعة: قوله تعالى: أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين زعم قوم منهم مقاتل بن سليمان أنها منسوخة بآية السيف ، والصحيح أنها محكمة وبيان ذلك أن الإيمان لا يصح مع الإكراه ، لأنه من أعمال القلب ، وإنما يتصور الإكراه على النطق لا على العقل .

ذكر الآية الخامسة: قوله تعالى: فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل [ ص: 480 ] روى أبو صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: هذه الآية منسوخة بآية القتال ، وهذا لا يصح عن ابن عباس ، وقد بينا أنه لا يتوجه النسخ في مثل هذه الأشياء ، لأن معنى الآية: ما أنا بوكيل في منعكم من اعتقاد الباطل ، وحافظ لكم من الهلاك إذا لم تعملوا أنتم لأنفسكم ما يخلصها .

ذكر الآية السادسة: قوله تعالى: واصبر حتى يحكم الله روى أبو صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: هذه منسوخة بآية القتال ، هذا لا يثبت عن ابن عباس ، ثم إن الأمر بالصبر هاهنا مذكور إلى غاية ، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها ، وقد شرحنا هذا المعنى في البقرة عند قوله: فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره فلا وجه للنسخ في شيء من هذه الآيات .

التالي السابق


الخدمات العلمية