[ ص: 434 ] ( فإن كان مفردا بالحج ينوي بتلبيته الحج ) لأنه عبادة والأعمال بالنيات ( والتلبية أن يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ) وقوله إن الحمد بكسر الألف لا بفتحها ليكون ابتداء لا بناء [ ص: 435 ] إذ الفتحة صفة الأولى ، وهو إجابة لدعاء الخليل صلوات الله عليه على ما هو المعروف في القصة ( ولا ينبغي أن يخل بشيء من هذه الكلمات ) [ ص: 436 ] لأنه هو المنقول باتفاق الرواة فلا ينقص عنه ( ولو زاد فيها جاز ) خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي رحمه الله في رواية nindex.php?page=showalam&ids=14356الربيع رحمه الله عنه . هو اعتبره بالأذان والتشهد من حيث إنه ذكر منظوم . ولنا أن أجلاء الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=10كابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم زادوا على المأثور ، ولأن المقصود الثناء ، وإظهار العبودية فلا يمنع من الزيادة [ ص: 437 ] عليه . قال ( وإذا لبى فقد أحرم ) يعني إذا نوى لأن العبادة لا تتأدى إلا بالنية إلا أنه لم يذكرها لتقديم الإشارة إليها في قوله اللهم إني أريد الحج ( ولا يصير شارعا في الإحرام بمجرد النية ما لم يأت بالتلبية ) [ ص: 438 ] خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي رحمه الله لأنه عقد على الأداء فلا بد من ذكر كما في تحريمة الصلاة ، ويصير شارعا بذكر يقصد به التعظيم سوى التلبية فارسية كانت أو عربية ، هذا هو المشهور عن أصحابنا رحمهم الله تعالى . والفرق بينه وبين الصلاة على أصلها أن باب الحج أوسع من باب الصلاة ، حتى يقام غير الذكر مقام الذكر كتقليد البدن فكذا غير التلبية وغير العربية .
( قوله فإن كان مفردا نوى بتلبيته الحج ) أي إن كان مفردا بالحج نواه ، لأن النية شرط العبادات ، وإن ذكر بلسانه وقال : نويت الحج وأحرمت به لله تعالى لبيك إلخ فحسن ليجتمع القلب واللسان ، وعلى قياس ما قدمناه في شروط الصلاة إنما يحسن إذا لم تجتمع عزيمته ، فإن اجتمعت فلا ، ولم نعلم الرواة لنسكه عليه الصلاة والسلام فصلا فصلا قط روى واحد منهم أنه سمعه عليه الصلاة والسلام يقول : { نويت العمرة ولا الحج } ( قوله بكسر الهمزة لا بفتحها ) يعني في الوجه الأوجه ، وأما في الجواز فيجوز والكسر على استئناف الثناء وتكون التلبية للذات ، والفتح على أنه تعليل للتلبية أي لبيك لأن الحمد والنعمة لك والملك ، ولا يخفى أن تعليق الإجابة التي لا نهاية لها بالذات أولى منه باعتبار صفة .
هذا وإن كان استئناف الثناء لا يتعين مع الكسر لجواز كونه تعليلا مستأنفا كما في قولك علم ابنك العلم إن العلم نافعه ، قال الله تعالى { وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } وهذا مقرر في مسالك العلة من علم الأصول لكن لما جاز فيه كل منهما يحمل على الأول لأولويته بخلاف الفتح ليس فيه سوى أنه تعليل . وقول المصنف : إنه صفة الأولى يريد متعلقا به . والكلام في مواضع .
الأول : لفظ لبيك ومعناها لفظها مصدر مثنى تثنية يراد بها التكثير كقوله تعالى { ثم ارجع البصر كرتين } أي كرات كثيرة وهو ملزوم النصب كما ترى والإضافة والناصب له من غير لفظه تقديره أجبتك إجابة بعد إجابة إلى ما لا نهاية له ، وكأنه من ألب بالمكان إذا أقام به ، ويعرف بهذا معناها فتكون مصدرا محذوف الزوائد ، والقياسي منه إلباب ومفرد لبيك لب . وقد حكى nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه عن بعض العرب لب على أنه مفرد لبيك ، [ ص: 435 ] غير أنه مبني على الكسر لعدم تمكنه هذا هو المشهور فيها .
وقيل : ليس هنا إضافة والكاف حرف خطاب ، وإنما حذفت النون لشبه الإضافة . وقيل : مضاف إلا أنه اسم مفرد وأصله لبى قلبت ألفه ياء للإضافة إلى الضمير كألف عليك الذي هو اسم فعل ، وألف لدى فرده nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، بقول الشاعر :
وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وأخرجه من طريق آخر ، [ ص: 436 ] وأخرجه غيره بألفاظ تزيد وتنقص . وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة عن nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام : { لما أمر إبراهيم أن يؤذن في الناس قام على المقام فارتفع المقام حتى أشرف على ما تحته } الحديث .
وأما التلبية على الوجه المذكور في الكتاب فهو في الكتب الستة من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال " وكان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما يزيد فيها لبيك وسعديك ، والخير بيديك والرغباء إليك والعمل " ( قوله أن أجلاء الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=10كابن مسعود إلخ ) ذكرنا زيادة nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر آنفا وأخرجها nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أيضا .
وزيادة nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في مسند nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه في حديث فيه طول وفي آخره وزاد nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في تلبيته " فقال : لبيك عدد التراب " وما سمعته قبل ذلك ولا بعده ، وزيادة nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الله أعلم بها ، وإنما أخرج nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي عنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=83077كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم : لبيك إله الخلق لبيك } ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم وصححه . وروى ابن سعد في الطبقات عن مسلم بن أبي مسلم قال " سمعت nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي رضي الله عنهما يزيد في التلبية لبيك ذا النعماء والفضل الحسن " وأسند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد مرسلا { nindex.php?page=hadith&LINKID=83078كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر من التلبية لبيك } وساق المشهور .
فقد صرح بتقريره وهو أحد الأدلة ، بخلاف التشهد لأنه في حرمة الصلاة ، والصلاة يتقيد فيها بالوارد لأنها لم تجعل شرعا كحالة عدمها ، ولذا قلنا يكره تكراره بعينه حتى إذا كان التشهد الثاني قلنا لا تكره الزيادة بالمأثور لأنه أطلق فيه من قبل الشارع نظرا إلى فراغ أعمالها ( قوله وإذا لبى فقد أحرم ) لم يعتبر مفهومه المخالف على ما عليه القاعدة من اعتباره في رواية الفقه ، وذلك لأنه يصير محرما بكل ثناء وتسبيح في ظاهر المذهب إن كان يحسن التلبية ولو بالفارسية وإن كان يحسن العربية .
والفرق لهما بين افتتاح الإحرام وافتتاح الصلاة مذكور في الكتاب ، والأخرس يحرك لسانه مع النية ، وفي المحيط : تحريك لسانه مستحب كما في الصلاة ، وظاهر كلام غيره أنه شرط ، ونص nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد على أنه شرط . وأما في حق القراءة في الصلاة فاختلفوا فيه ، والأصح لا يلزمه التحريك ( قوله إلا أنه لم يذكرها لتقدم الإشارة إليها في قوله اللهم إني أريد الحج ) قد يقال : لا حاجة إلى استنباط هذه الإشارة الخفية بل قد ذكرها نصا ، فإن نظم الكتاب هكذا : ثم يلبي عقيب صلاته فإن كان مفردا نوى بتلبيته الحج ثم ذكر صورة التلبية .
ثم قال : فإذا لبى فقد أحرم فلا يشكل أن المفهوم إذا لبى التلبية المذكورة وهي المقرونة بنية الحج فقد أحرم بالحج . ثم لا يستفاد من هذه العبارة سوى أنه عند النية والتلبية يصير محرما ، أما أن الإحرام بهما أو بأحدهما بشرط ذكر الآخرة فلا . وذكر حسام الدين الشهيد : أنه يصير شارعا بالنية لكن عند التلبية كما في الصلاة بالنية لكن عند التكبير ، ثم لم يذكر سوى أن بنية مطلق الحج من غير تعيين الفرض ولا النفل يصير شارعا في الحج . وكان من المهم ذكر أنه هل يسقط بذلك فريضة الحج أم لا بد فيه من التعيين . والمذهب أنه يسقط الفرض بإطلاق نية الحج بخلاف تعيين النية للنفل ، فإنه يكون نفلا وإن كان لم يحج الفرض بعد .
وعند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إذا نوى النفل وعليه حجة الإسلام يقع عن حجة الإسلام لما روي { nindex.php?page=hadith&LINKID=83080أنه عليه الصلاة والسلام سمع شخصا يقول : لبيك عن شبرمة فقال : أحججت عن نفسك أو معناه ؟ قال : لا ، قال : حج عن نفسك ثم عن شبرمة } . قلنا : غاية ما يفيد وجوب أن يفعل ذلك ، ومقتضاه ثبوت الإثم بتركه لا تحوله بنفسه إلى غير المنوي من غير قصد إليه ، فالقول به إثبات بلا دليل ، بخلاف قولنا مثله في رمضان ، لأن رمضان حكمه تعيين المشروع فيه فيحتاج بعد هذا إلى مطلق نية الصوم لتتميز العبادة عن العادة ، فإذا وجدت انصرف إلى [ ص: 438 ] المشروع في الوقت ، بخلاف وقت الحج لم يتمحض للحج كوقت الصوم لما عرف بل يشبهه من وجه دون وجه ، فللمشابهة جاز عن الفرض بالإطلاق ولأنه الظاهر من حال المسلم خصوصا في مثل هذه العبادة المشق تحصيلها والمطلق يحتمل كلا من الخصوصيات فصرفناه إلى بعض محتملاته بدلالة الحال ، وللمفارقة لم يجز عن الفرض بتعيين النفل ، وأيضا فالدلالة تعبر عند عدم معارضة الصريح ، والمعارضة ثابتة حيث صرح بالضد وهو النفل بخلاف صورة الإطلاق إذا لا منافاة بين الأخص والأعم .
[ فروع ]
إذا أبهم الإحرام بأن لم يعين ما أحرم به جاز ، وعليه التعيين قبل أن يشرع في الأفعال ، والأصل حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=83081حين قدم من اليمن فقال أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم } فأجازه عليه الصلاة والسلام الحديث مر في حديث جابر الطويل ، فإن لم يعين حتى طاف شوطا واحدا كان إحرامه للعمرة وكذا إذا أحصر قبل الأفعال والتعيين فتحلل بدم تعين للعمرة حتى يجب عليه قضاؤها لا قضاء حجه ، وكذا إذا جامع فأفسد ووجب عليه المضي في الفاسد فإنما يجب عليه المضي في عمرة ، ولو أحرم مبهما ثم أحرم ثانيا بحجة فالأول لعمرة أو بعمرة فالأول لحجة ، ولو لم ينو بالثاني أيضا شيئا كان قارنا ، وإن عين شيئا ونسيه فعليه حجة وعمرة احتياطا ليخرج عن العهدة بيقين ، ولا يكون قارنا ، فإن أحصر تحلل بدم واحد ويقضي حجة وعمرة ، وإن جامع مضى فيهما ويقضيهما إن شاء جمع ، وإن شاء فرق ، وإن أحرم بشيئين ونسيهما لزمه في القياس حجتان وعمرتان .
وفي الاستحسان حجة وعمرة حملا لأمره على المسنون والمعروف وهو القرآن ، بخلاف ما قبله إذ لم يعلم أن إحرامه كان بشيئين . وعن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله : خرج يريد الحج فأحرم لا ينوي شيئا فهو حج بناء على جواز أداء العبادات بنية سابقة ، ولو أحرم نذرا ونفلا كان نفلا أو نوى فرضا وتطوعا كان تطوعا عنده وكذا عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف في الأصح ، ولو لبى بالحج وهو يريد العمرة أو على القلب فهو محرم بما نوى لا بما جرى على لسانه ، ولو لبى بحجة وهو يريد الحج والعمرة كان قارنا ( قوله خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي رحمه الله ) [ ص: 439 ] في أحد قوليه .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمه الله كقوله قياسا على الصوم بجامع أنها عبادة كف عن المحظورات فتكفي النية لالتزامها . وقسنا نحن على الصلاة لأنه التزام أفعال لا مجرد كف بل التزام الكف شرط فكان بالصلاة أشبه ، فلا بد من ذكر يفتتح به أو بما يقوم مقامه مما هو من خصوصياته . وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { فمن فرض فيهن الحج } قال : فرض الحج الإهلال ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما : التلبية .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه : الإحرام لا ينافي قولهما كيف وقد ثبت عنه أنه التلبية ، كقول nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة " لا إحرام إلا لمن أهل أو لبى " إلا أن مقتضى بعض هذه الأدلة تعيين التلبية حتى لا يصير محرما بتقليد الهدي وهو القول الأخير nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي رحمه الله ، لكن ثمة آثار أخر تدل على أن به مع النية يصير محرما تأتي في موضعها إن شاء الله تعالى ، فالاستدلال بهذه على عدم صحة الاكتفاء بالنية صحيح ، ثم إذا لبى صلى على النبي المعلم للخيرات صلى الله عليه وسلم ودعا بما شاء ، لما روي عن القاسم بن محمد أنه قال : يستحب للرجل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التلبية .
ورواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني . ويستحب في التلبية كلها رفع الصوت من غير أن يبلغ الجهد في ذلك كي لا يضعف ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها إلا أنه يخفض صوته إذا صلى عليه صلى الله عليه وسلم . وعن nindex.php?page=showalam&ids=2546خزيمة بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=83082كان إذا فرغ من التلبية سأل رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار } رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني . واستحب بعضهم أن يقول بعدها : اللهم أعني على أداء فرض الحج وتقبله مني ، واجعلني من الذين استجابوا لك وآمنوا بوعدك واتبعوا أمرك واجعلني من وفدك الذين رضيت عنهم ، اللهم قد أحرم لك شعري وبشري ودمي ومخي وعظامي