( ومن أغمي عليه فأهل عنه رفقاؤه جاز عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ) رحمه الله ( وقالا : لا يجوز ، ولو أمر إنسانا بأن يحرم عنه إذا أغمي عليه أو نام فأحرم المأمور عنه صح ) بالإجماع [ ص: 511 ] حتى إذا أفاق أو استيقظ وأتى بأفعال الحج جاز . لهما أنه لم يحرم بنفسه ولا أذن لغيره به ، وهذا لأنه لم يصرح بالإذن والدلالة تقف على العلم ، وجواز الإذن به لا يعرفه كثير من الفقهاء فكيف يعرفه العوام ، بخلاف ما إذا أمر غيره بذلك صريحا . وله أنه لما عاقدهم عقد الرفقة فقد استعان بكل واحد منهم فيما يعجز عن مباشرته بنفسه . والإحرام هو المقصود بهذا السفر فكان الإذن به ثابتا دلالة ، والعلم ثابت نظرا إلى الدليل والحكم يدار عليه .
( قوله ومن أغمي عليه فأهل عنه رفقاؤه جاز ) الرفيق قيد عند بعضهم وليس بقيد عند آخرين ، حتى لو أهل غير رفقائه عنه جاز وهو الأولى لأن هذا من باب الإعانة لا الولاية ، ودلالة الإعانة قائمة عند كل من علم [ ص: 511 ] قصده رفيقا كان أو لا .
وأصله أن الإحرام شرط عندنا اتفاقا كالوضوء وستر العورة وإن كان له شبه الركن فجازت النيابة فيه بعد وجود نية العبادة منه عند خروجه من بلده ، وإنما اختلفوا في هذه المسألة بناء على أن المرافقة هل تكون أمرا به دلالة عند العجز عنه أو لا ، فقالا : لا ، لأن المرافقة إنما تراد لأمور السفر لا غير فلا تتعدى إلى الإحرام ، بل الظاهر منع غيره عنه ليتولاه بنفسه فيحوز ثواب ذلك ، ولأن دلالة الإنابة فيه إنما تثبت إذا كان [ ص: 512 ] معلوما عند الناس .
وصحة الإذن بالإحرام عن غيره لا يعرفه كثير من المتفقهة فكيف بالعامي وهذا الوجه يعم منع الرفيق وغيره نصا والأول دلالة . وله أن عقد الرفقة استعانة كل منهم بكل منهم فيما يعجز عنه في سفره ، وليس المقصود بهذا السفر إلا الإحرام ، وهو أهمها إن كان مثلا يقصد التجارة مع الحج فكان عقد السفر استعانة فيه إذا عجز عنه كما هو في حفظ الأمتعة والدواب أو أقوى .
فكانت دلالة الإذن ثابتة والعلم بجوازه ثابت نظرا إلى الدليل الذي دل على جواز الاستنابة في الإحرام وهو كونه شرطا والشرط تجري فيه النيابة ، كمن أجرى الماء على أعضاء محدث فإنه يصير بذلك متوضئا ، أو غطى عورة عريان فإنه يصير بذلك محصلا للشرط ، وذلك أن الدليل الشرعي منصوب فيقام وجوده مقام العلم به في حق كل من كلف بطلب العلم ، ولذا لا يعذر بالجهل في دار الإسلام ، بخلاف من أسلم في دار الحرب فجهل وجوب الصلاة مثلا لا قضاء عليه .
فإن قيل : ينبغي أن يجردوه ويلبسوه الإزار والرداء لأن النيابة ظهر أن معناها إيجاد الشرط في المنوب عنه كالتوضئة ، لكن الواقع أن ليس معنى الإحرام عنه ذلك ، بل أن يحرموا هم بطريق النيابة فيصير هو محرما بذلك الإحرام من غير أن يجردوه ، حتى إذا أفاق وجب عليه الأفعال والكف عن المحظورات من غير أن يحرم بنفسه .
فالجواب التجريد وإلباس غير المخيط ليس وزان التوضئة التي هي الشرط ، إذ ليس ذلك الإحرام بل كف عن بعض المحظورات ، أعني لبس المخيط ، وإنما الإحرام وصف شرعي هو صيرورته محرما عليه أشياء موجبا عليه المضي في أفعال مخصوصة . وآلة ثبوت هذا المعنى الشرعي المسمى بالإحرام نية التزام نسك مع التلبية أو ما يقوم مقامها . ونيابتهم إنما هي بذلك المعنى في الشرط ، فوجب كون الذي هو إليهم أن ينووا ويلبوا عنه فيصير هو بذلك محرما ، كما لو نوى هو ولبى ، وينتقل إحرامهم إليه حتى كان للرفيق أن يحرم عن نفسه مع ذلك . وإذا باشر محظور الإحرام لزمه جزاء واحد ، بخلاف القارن لأنه في إحرامين وهذا في إحرام واحد لانتقال ذلك الإحرام إلى المنوب عنه شرعا .
واعلم أنهم اختلفوا فيما لو استمر مغمى عليه إلى وقت أداء الأفعال ، هل يجب أن يشهدوا به المشاهد فيطاف به ويسعى ويوقف أو لا بل مباشرة الرفقة لذلك عنه تجزيه ، فاختار طائفة الأول ، وعليه يمشي التقرير المذكور ، واختار آخرون الثاني وجعله في المبسوط الأصح وإنما ذلك أولى لا متعين . وعلى هذا يجب كون الدليل الذي دل على جواز الاستنابة في الإحرام الذي أقيم وجوده مقام العلم به هو كون هذه العبادة : أعني الحج عن نفسه مما تجري فيه النيابة عند العجز كما في استنابة الذي زمن بعد القدرة وأدركه الموت فأوصى به ، غير أنه إن أفاق قبل الأفعال تبين أن عجزه كان في الإحرام فقط فصحت نيابتهم على الوجه الذي قلنا فيه ثم يجري هو بنفسه على موجبه ، فإن لم يفق تحقق عجزه عن الكل فأجروا هم على موجبه ، غير أنه لا يلزم الرفيق بفعل المحظورات شيء عن هذا الإحرام ، بخلاف النائب في الحج عن الميت ، ولأنه يتوقع إفاقة هذا في كل ساعة ، وحينئذ يجب الأداء بنفسه لعدم العجز فنقلنا الإحرام إليه ، لأنا لو لم ننقل الإحرام إليه مع هذا الاحتمال لفاته الحج إذا أفاق في بعض الصور ، وهو أن يفيق [ ص: 513 ] بعد يوم عرفة لعدم العجز عن باقي الأفعال مع العجز عن تجديد الإحرام للأداء في هذه السنة .
وما جعل عقد الرفقة أو العلم بحاله دليل الإذن إلا كي لا يفوت مقصوده من هذا السفر ، بخلاف الميت انتفى فيه ذلك فانتفى موجب النقل عن المباشر للإحرام . وذكر فخر الإسلام : إذا أغمي عليه بعد الإحرام فطيف به المناسك فإنه يجزيه عند أصحابنا جميعا لأنه هو الفاعل وقد سبقت النية منه ، فهو كمن نوى الصلاة في ابتدائها ثم أدى الأفعال ساهيا لا يدري ما يفعل أجزأه لسبق النية ا هـ .
ويشكل عليه اشتراط النية لبعض أركان هذه العبادة وهو الطواف . بخلاف سائر أركان الصلاة ولم توجد منه هذه النية . والأولى في التعليل أن جواز الاستنابة فيما يعجز عنه ثابت بما قلنا . فتجوز النيابة في هذه الأفعال . ويشترط نيتهم الطواف إذا حملوه فيه كما تشترط نيته ، إلا أن هذا يقتضي عدم تعين حمله والشهود ، ولا أعلم تجويز ذلك عنهم . في المنتقى .
فأما إذا طال ذلك ونام فأتوه وحملوه وهو نائم لا يجزيه عن الطواف ، ولكن الإحرام لازم بالأمر . قال : والقياس في هذه الجملة أن لا يجزيه حتى يدخل الطواف وهو مستيقظ ينوي الدخول فيه ، لكنا استحسنا إذا حضر ذلك فنام وقد أمر أن يحمل فطاف به أنه يجزيه .
وحاصل هذه الفروع الفرق بين النائم والمغمى عليه في اشتراط صريح الإذن وعدمه ، ثم في النائم قياس واستحسان . استأجر رجالا فحملوا امرأة فطافوا بها ونووا الطواف أجزأهم ولهم الأجرة وأجزأ المرأة . وإن نوى الحاملون طلب غريم لهم المحمول يعقل وقد نوى الطواف أجزأ المحمول دون الحاملين ، وإن كان مغمى عليه لم يجزه لانتفاء النية منه ومنهم . أما جواز الطواف فلأن المرأة حين أحرمت نوت الطواف ضمنا ، وإنما تراعى النية وقت الإحرام لأنه وقت العقد على الأداء . وأما استحقاق الأجر فلأن الإجارة وقعت على عمل معلوم ليس بعبادة وضعا ، وإذا حملوها وطافوا ولا ينوون الطواف بل طلب غريم لا يجزيها إذا كانت مغمى عليها لأنهم ما أتوا بالطواف وإنما أتوا بطلب الغريم والمنتقل إليها إنما هو فعلهم فلا [ ص: 514 ] يجزيها إلا إذا كانت مفيقة ونوت الطواف