قال ( وصفة القران أن يهل بالعمرة والحج معا من الميقات ويقول عقيب الصلاة : اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني ) لأن القران هو الجمع بين الحج والعمرة من قولك قرنت الشيء بالشيء إذا جمعت بينهما ، وكذا إذا أدخل حجة على عمرة قبل أن يطوف لها أربعة أشواط لأن الجمع قد تحقق إذ الأكثر منها قائم ، ومتى عزم على أدائهما يسأل التيسير فيهما وقدم العمرة على الحج فيه ولذلك يقول : لبيك بعمرة وحجة معا لأنه يبدأ بأفعال العمرة فكذلك يبدأ بذكرها ، وإن أخر ذلك في الدعاء والتلبية لا بأس به لأن الواو للجمع ، ولو نوى بقلبه ولم يذكرهما في التلبية أجزأه اعتبارا بالصلاة ( فإذا دخل مكة ابتدأ فطاف بالبيت سبعة أشواط يرمل في الثلاث الأول منها ، ويسعى بعدها بين الصفا والمروة ، وهذه أفعال العمرة ، ثم يبدأ بأفعال الحج فيطوف طواف القدوم سبعة أشواط ويسعى بعده كما بينا في المفرد ) ويقدم أفعال العمرة لقوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } والقران في معنى المتعة . ولا [ ص: 526 ] يحلق بين العمرة والحج لأن ذلك جناية على إحرام الحج ، وإنما يحلق في يوم النحر كما يحلق المفرد ، ويتحلل بالحلق عندنا لا بالذبح كما يتحلل المفرد ثم هذا مذهبنا .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : يطوف طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا لقوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=18788دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } ولأن مبنى القران على التداخل حتى اكتفى فيه بتلبية واحدة وسفر واحد وحلق واحد فكذلك في الأركان [ ص: 527 ] ولنا أنه لما طاف صبي بن معبد طوافين وسعى سعيين قال له رضي الله تعالى عنه : هديت لسنة نبيك ، ولأن القران ضم عبادة إلى عبادة وذلك إنما يتحقق بأداء عمل كل واحد على الكمال ، ولأنه لا تداخل في العبادات .
[ ص: 528 ] والسفر للتوسل ، والتلبية للتحريم ، والحلق للتحلل ، فليست هذه الأشياء بمقاصد ، بخلاف الأركان ، ألا ترى أن شفعي التطوع لا يتداخلان وبتحريمة واحدة يؤديان ومعنى ما رواه دخل وقت العمرة في وقت الحج
أجاب المصنف بقوله : ولنا أنه لما طاف صبي بن معبد طوافين وسعى سعيين قال له nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : هديت لسنة نبيك . ثم حمل الدخول على الدخول في الوقت ، وذلك أن ظاهره غير مراد اتفاقا ، وإلا كان دخولها في الحج غير متوقف على نية القران بل كل من حج يكون قد حكم بأن حجه تضمن عمرة وليس كذلك اتفاقا . بقي أن يراد الدخول وقتا أو تداخل الأفعال بشرط نية القران والدخول وقتا ثابت اتفاقا وهو محتمله وهو متروك الظاهر فوجب الحمل عليه ، بخلاف المحتمل الآخر لأنه مختلف فيه ومخالف للمعهود المستقر شرعا في الجمع بين عبادتين وهو كونه بفعل أفعال كل منهما ، ألا ترى أن شفعي التطوع لا يتداخلان إذا أحرم لهما بتحريمة واحدة ؟ وأنت خبير بأن هذا الجواب متوقف على صحة حديث صبي بن معبد على النص الذي ذكره المصنف ، والذي قدمناه من تصحيحه في أدلة القران إنما نصه عن الصبي قال : أهللت بهما معا ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : هديت لسنة نبيك ، وفي رواية أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي عن الصبي بن معبد قال : كنت رجلا أعرابيا نصرانيا فأسلمت ، فأتيت رجلا من عشيرتي يقال له هذيم بن ثرملة فقلت : يا هناه إني حريص على الجهاد وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبتين علي فكيف لي بأن أجمع بينهما ؟ فقال لي : اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي ، فأهللت فلما أتيت العذيب لقيني سلمان بن ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=3254وزيد بن صوحان وأنا أهل [ ص: 527 ] بهما معا ، فقال أحدهما للآخر : ما هذا بأفقه من بعيره ، قال : فكأنما ألقي علي جبل حتى أتيت nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب فقلت : يا أمير المؤمنين إني كنت رجلا أعرابيا نصرانيا وإني أسلمت وإني حريص على الجهاد ، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبتين علي ، فأتيت رجلا من قومي فقال لي اجمعها واذبح ما استيسر من الهدي ، وإني أهللت بهما جميعا ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ا هـ .
وليس فيه أنه قال له ذلك عقيب طوافه وسعيه مرتين .
لا جرم أن صاحب المذهب رواه على النص الذي هو حجة ، وإنما قصره المصنف . وذلك أن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة رضي الله عنه روى عن nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن الصبي بن معبد قال : أقبلت من الجزيرة حاجا قارنا فمررت بسلمان بن ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=3254وزيد بن صوحان وهما منيخان بالعذيب ، فسمعاني أقول : لبيك بحجة وعمرة معا ، فقال أحدهما : هذا أضل من بعيره ، وقال الآخر : هذا أضل من كذا وكذا ، فمضيت حتى إذا قضيت نسكي مررت بأمير المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ، فساقه إلى أن قال فيه : قال يعني nindex.php?page=showalam&ids=2عمر له : فصنعت ماذا ؟ قال : مضيت فطفت طوافا لعمرتي وسعيت سعيا لعمرتي ثم عدت ففعلت مثل ذلك لحجي ، ثم بقيت حراما ما أقمنا أصنع كما يصنع الحاج حتى قضيت آخر نسكي ، قال : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم . وأعاده ، وفيه : كنت حديث عهد بنصرانية فأسلمت فقدمت الكوفة أريد الحج ، فوجدت سلمان بن ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=3254وزيد بن صوحان يريدان الحج ، وذلك في زمان nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فأهل سلمان وزيد بالحج وحده وأهل الصبي بالحج والعمرة فقالا : ويحك تمتع وقد نهى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عن المتعة ، والله لأنت أضل من بعيرك فساقه
، وفيه ما قدمنا من أن التمتع في عرف الصدر الأول وتابعيهم يعم القران والتمتع بالعرف الواقع الآن . وأيضا المعارضة بين أقوال الصحابة ورواياتهم عنه عليه الصلاة والسلام الاكتفاء بطواف واحد وسعي واحد ثابتة ، فتقدم عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنه فعلا ورواية الاكتفاء بواحد وكذا من غيره .
وصح عن غير واحد عدمه ، فمن ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه : أخرج nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي في سننه الكبرى عن حماد بن عبد الرحمن الأنصاري عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية قال : { طفت مع أبي وقد جمع الحج والعمرة ، فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ، وحدثني أن nindex.php?page=showalam&ids=8عليا رضي الله عنه فعل ذلك ، وحدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك } .
وحماد هذا إن ضعفه الأزدي فقد ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات فلا ينزل حديثه عن الحسن . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن في كتاب الآثار : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله عنه ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن أبي نصر السلمي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه قال : إذا أهللت بالحج والعمرة فطف لهما طوافين واسع لهما سعيين بالصفا والمروة ، قال منصور . فلقيت nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا وهو يفتي بطواف واحد لمن قرن ، فحدثته بهذا الحديث فقال : لو كنت سمعته لم أفت إلا بطوافين ، وأما بعده فلا أفتي [ ص: 528 ] إلا بهما . ولا شبهة في هذا السند مع أنه روي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه بطرق كثيرة مضعفة ترتقي إلى الحسن ، غير أنا تركناها واقتصرنا على ما هو الحجة بنفسه بلا ضم .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله بسند فيه مجهول وقال وقال : معناه أنه يطوف بالبيت حين يقدم وبالصفا وبالمروة ثم يطوف بالبيت للزيارة ا هـ . وهو صريح في مخالفة النص عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه . وقول nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : لو كان ثابتا عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى { nindex.php?page=hadith&LINKID=65874من أحرم بالحج والعمرة أجزأه عنهما طواف واحد وسعي واحد } مدفوع بأن nindex.php?page=showalam&ids=8عليا رضي الله عنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسمعناك فوقعت المعارضة ، فكانت هذه الرواية أقيس بأصول الشرع فرجحت وثبت عن nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن الحصين أيضا رفعه .
وهو ما أخرج nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن محمد بن يحيى الأزدي : حدثنا عبد الله بن داود عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن nindex.php?page=showalam&ids=15771حميد بن هلال عن nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف عن nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين { nindex.php?page=hadith&LINKID=65872أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طوافين وسعى سعيين } ، ومحمد بن يحيى هذا قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ثقة ، وذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في كتاب الثقات ، غير أن nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني نسب إليه في خصوص هذا الحديث الوهم فقال : يقال إن يحيى حدث به من حفظه فوهم ، والصواب بهذا الإسناد أنه صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة ، وليس فيه ذكر الطواف ولا السعي .
ويقال : إنه رجع عن ذكر الطواف والسعي وحدث به على الصواب ، ثم أسند عنه به أنه عليه الصلاة والسلام قرن ، قال : وقد خالفه غيره فلم يذكروا فيه الطواف . ثم أسند إلى عبد الله بن داود وبذلك الإسناد أيضا أنه قرن ا هـ . وحاصل ما ذكر أنه ثقة ثبت عنه أنه ذكر زيادة على غيره . والزيادة من الثقة مقبولة . وما أسند إليه غاية ما فيه أنه اقتصر مرة على بعض الحديث وهذا لا يستلزم رجوعه واعترافه بالخطإ . فكثيرا يقع مثل هذا . وثبت عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه مثل ذلك أيضا .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم عن nindex.php?page=showalam&ids=17154منصور بن زاذان عن الحكم عن زياد بن مالك أن nindex.php?page=showalam&ids=8عليا nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود رضي الله عنهما قالا في القران : يطوف طوافين ويسعى سعيين ، فهؤلاء أكابر الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=40وعمران بن الحصين رضي الله عنهم . فإن عارض ما ذهبوا إليه رواية ومذهبا رواية غيرهم ومذهبه كان قولهم وروايتهم مقدمة مع ما يساعد قولهم وروايتهم مما استقر في الشرع من ضم عبادة إلى أخرى أنه بفعل أركان كل منهما ، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال