[ ص: 66 ] ( فصل ) . اعلم أن صيد البر محرم على المحرم ، وصيد البحر حلال لقوله تعالى { أحل لكم صيد البحر } إلى آخر الآية . [ ص: 67 ] وصيد البر ما يكون توالده ومثواه في البر ، وصيد البحر ما يكون توالده ومثواه في الماء . والصيد هو الممتنع المتوحش في أصل الخلقة ، واستثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس الفواسق وهي : الكلب العقور ، والذئب والحدأة ، والغراب والحية ، والعقرب ، فإنها مبتدئات بالأذى . والمراد به الغراب الذي يأكل [ ص: 68 ] الجيف . هو المروي عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمه الله .
( فصل في جزاء الصيد ) . ( قوله اعلم أن صيد البر محرم إلخ ) أي قتله ، وإن لم يأكله وأكله وإن ذكاه المحرم . وعن هذا لو اضطر محرم إلى [ ص: 67 ] أكل الميتة أو الصيد يأكل الميتة لا الصيد على قول nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر ; لتعدد جهات حرمته عليه . وعلى قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف رحمهما الله يتناول الصيد ويؤدي الجزاء ; لأن حرمة الميتة أغلظ ; ألا ترى أن حرمة الصيد ترتفع بالخروج من الإحرام فهي موقتة ، بخلاف حرمة الميتة فعليه أن يقصد أخف الحرمتين دون أغلظهما . والصيد وإن كان محظور الإحرام لكن عند الضرورة يرتفع الحظر فيقتله ويأكل منه ويؤدي الجزاء ، هكذا في المبسوط . وفي فتاوى قاضي خان أن المحرم إذا اضطر إلى ميتة وصيد فالميتة أولى في قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=14111والحسن : يذبح الصيد . ولو كان الصيد مذبوحا فالصيد أولى عند الكل .
ولو وجد صيدا ولحم آدمي كان ذبح الصيد أولى ، ولو وجد صيدا وكلبا فالكلب أولى ; لأن في الصيد ارتكاب المحظورين . وعن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : الصيد أولى من لحم الخنزير ، ففي هذا خلاف ما ذكرناه من المبسوط ( قوله : وصيد البر إلخ ) ليس ما ذكره تعريفا لصيد البر بل للبري من الأشياء ، ومراده تعريف البري مطلقا ثم الصيد مطلقا فيعرف منهما صيد البر ولذا أفرد بعده الصيد فقال : والصيد هو الممتنع إلخ فينتظم منهما تعريف صيد البر ، هكذا هو ما توالده ومثواه في البر مما هو ممتنع ; لتوحشه الكائن في أصل الخلقة ، فيدخل الظبي المستأنس ويخرج البعير والشاة المتوحشان لعروض الوصف لهما ، وكون ذكاة الظبي المستأنس بالذبح والأهلي المتوحش بالعقر لا ينافيه ; لأن الذكاة بالذبح والعقر دائران مع الإمكان وعدمه لا مع الصيدية وعدمها ، ويخرج الكلب ; لأنه ليس بصيد سواء كان أهليا أو وحشيا ; لأن الكلب أهلي في الأصل ، لكن ربما يتوحش ، وكذا السنور الأهلي ليس بصيد ; لأنه مستأنس ، أما البري منه ففيه روايتان عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة .
هذا والمعول عليه في كونه بريا وبحريا التوالد في البر والبحر لا مع كون مثواه فيه كظاهر عبارة الكتاب ، كذا في النهاية . وعلى اعتباره لا يجب الجزاء بقتل كلب الماء والضفدع المائي ; لأنه يعيش في البر وهو مائي المولد . واختلف في أنه هل يباح كل ما كان من صيد البحر أو ما يحل أكله منه فقط ؟ ففي المحيط : كل ما يعيش في الماء يحل قتله وصيده للمحرم . ا هـ . قال بعضهم : كالسمك والضفدع والسرطان وكلب الماء . وفي مناسك الكرماني : الذي يرخص من صيد البحر للمحرم هو السمك خاصة ، والأصح هو الأول ; لأن قوله تعالى { أحل [ ص: 68 ] لكم صيد البحر وطعامه } يتناول بحقيقته عموم ما في البحر . وفي البدائع : أما صيد البحر فيحل اصطياده للحال والمحرم جميعا مأكولا أو غير مأكول ، واستدل بالآية .
وأما ما في الأصل من قوله : والذي رخص للمحرم من صيد البحر هو السمك خاصة ، فأما طير البحر فلا يرخص فيه للمحرم ، فقد شرحه في المبسوط بما يفيد تعميم الإباحة ، وأن المراد ما يقابل المائي بالسمك ، فالضفدع جعله شمس الأئمة في المبسوط من صيد البحر مطلقا ، وكذا قاضي خان . وينبغي قبل الحكم بالحل بناء على أن مولده في البحر وإن كان يعيش في البر تحقيق ذلك ، ومثله السرطان والتمساح والسلحفاة . هذا ويستثنى من صيد البر بعضه كالذئب والغراب والحدأة ، وأما باقي الفواسق فليست بصيود ، وأما باقي السباع فالمنصوص عليه في ظاهر الرواية أنه يجب بقتلها الجزاء لا يجاوز شاة إن ابتدأها المحرم ، فإن ابتدأته بالأذى فقتلها فلا شيء عليه ، وذلك كالأسد والفهد والنمر والصقر والبازي .
وأما صاحب البدائع فقسم البري إلى مأكول وغيره ، والثاني إلى ما يبتدئ بالأذى غالبا كالأسد والذئب والنمر والفهد ، وإلى ما ليس كذلك كالضبع والثعلب ، فلا يحل قتل الأول والأخير إلا أن يصول . ويحل قتل الثاني ولا شيء فيه وإن لم يصل . وجعل ورود النص في الفواسق ورودا فيها دلالة ، ولم يحك خلافا بل ذكره حكما مبتدأ مسكوتا فيه ، ثم رأيناه رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف . قال في فتاوى nindex.php?page=showalam&ids=16808قاضي خان : وعن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف الأسد بمنزلة الذئب ، وفي ظاهر الرواية السباع كلها صيد إلا الكلب والذئب ا هـ . وسنذكر إن شاء الله تعالى ما هو الأسعد بالوجه فيما يأتي هذا .
وقلنا : إن قتل الصيد من محظورات الإحرام ، وارتكاب محظورات العبادة يوجب ارتفاضها كالصوم والصلاة ، إلا أن الشرع جعل الإحرام لازما لا يخرج عنه إلا بأداء الأعمال ، ألا ترى أنه حين لم يكن في الابتداء لازما كان يرتفض بارتكاب المحظور . وكذا الأمة إذا أحرمت بغير إذن سيدها ، والمرأة إذا أحرمت بغير إذن زوجها بحجة التطوع لما لم يكن ذلك لازما في حق الزوج كان له أن يحللها بفعل شيء من المحظورات فكان هو في قتل الصيود هنا قاصدا إلى تعجيل الإحلال لا إلى الجناية على الإحرام ، وتعجيل الإحلال يوجب دما واحدا كما في المحصر ، بخلاف ما إذا لم يكن على قصد الإحلال ; لأنه قصد الجناية على الإحرام بقتل كل صيد فيلزمه جزاء كل صيد . وقد بينا أن جزاء الصيد في حق المحرم ينبني على قصده ، حتى إن ضارب الفسطاط لا يكون ضامنا للجزاء ، بخلاف ناصب الشبكة ، كذا في المبسوط .