ولنا أنه تلافى المتروك في وقته ; لأن الواجب عليه تعظيم هذه البقعة بالإحرام ، كما إذا أتاه محرما بحجة الإسلام في الابتداء ، بخلاف ما إذا تحولت السنة ; لأنه صار دينا في ذمته فلا يتأدى إلا بإحرام مقصود كما في الاعتكاف المنذور فإنه يتأدى بصوم رمضان من هذه السنة دون العام الثاني
. ( قوله : ومن دخل مكة بغير إحرام ثم خرج من عامه ) حاصل الأحكام الكائنة هنا أربعة . أحدها : أنه لا يجوز ; للآفاقي دخول مكة بغير إحرام . ثانيها : أن من دخلها بلا إحرام يجب عليه إما حجة أو عمرة . قال في البدائع : فإن أقام بمكة حتى تحولت السنة ثم أحرم يريد قضاء ما وجب عليه بدخول مكة بغير إحرام أجزأه في ذلك ميقات أهل مكة في الحج بالحرم وفي العمرة بالحل ; لأنه لما أقام بمكة صار في حكم أهلها فيجزيه إحرامه من ميقاتهم . ا هـ .
وتعليله يقتضي أن لا حاجة إلى تقييده بتحويل السنة . ثالثها : أنه إذا خرج من عامه ذلك إلى الميقات وحج حجة الإسلام سقط ما وجب عليه بدخول مكة بلا إحرام . رابعها : أنه إذا خرج بعد مضي تلك السنة لا يسقط ، وقول المصنف بحجة عليه أعم من كونها منذورة أو حجة الإسلام ، وكذا إذا أحرم بعمرة منذورة وقوله أجزأه من دخول مكة بغير إحرام : يعني من آخر دخول دخله بغير إحرام ، فإنه لو دخل مرارا بغير إحرام وجب عليه ; لكل مرة حجة أو عمرة ، فإذا خرج فأحرم بنسك أجزأه عن دخوله الأخير لا عما قبله ، ذكره في شرح الطحاوي قال : لأن الواجب قبل الأخير صار دينا في ذمته فلا يسقط إلا بالتعيين بالنية . وفي المبسوط : إذا دخل مكة بلا إحرام فوجب عليه حجة أو عمرة فأهل به بعد سنة من وقت غير وقته هو أقرب منه . قال : [ ص: 112 ] يجزيه ذلك ولا شيء عليه ; لأنه في السنة الأولى لو أهل منه أجزأه عما يلزمه من دخولها .
( قوله : اعتبارا بما لزمه بالنذر ) أي اعتبارا ; لما لزمه بالدخول بغير إحرام بما لزمه بالنذر ، وفي المنذور لا يخرجه عن عهدته إلا أن ينويه عنه ، فكذا ما بالدخول . ( ولنا ) وهو وجه الاستحسان ( أنه تلافى المتروك في وقته إلخ ) معنى هذا الكلام أن الواجب عليه أن يكون محرما عند قصد دخول مكة من الميقات تعظيما ; للبقعة لا ; لذات دخول مكة من حيث هو دخولها ، فإذا لم يفعل ودخل هو بلا إحرام وجب عليه قضاء حقها الذي لم يفعله ، وذلك بأن يدخلها على ذلك الوجه الذي فوته ، فإذا خرج إلى الميقات فأحرم بحجة عليه وقدم مكة فقد فعل ما تركه ; وذلك لأن وجوب أحد النسكين فيما إذا دخلها بلا إحرام ليس إلا لوجوب الإحرام ، إلا أنه لما كان الإحرام لا يتحقق إلا بأحدهما قلنا وجب عليه أحدهما ، فإذا خرج إلى الميقات فأحرم بما عليه فقد فعل ما كان واجبا عليه بالدخول ، وهو الإحرام في ضمن ما وجب عليه بسبب آخر ، وصار كما إذا أتاها محرما ابتداء بما عليه من حجة الإسلام من الميقات لم يلزمه شيء آخر ; لحصول المقصود في ضمن ما عليه .
بخلاف ما إذا تحولت السنة ، فإنه لما لم يقض حقها في تلك صار بتفويته دينا عليه فصار تفويتا مقصودا محتاجا إلى النية ، كما إذا نذر أن يعتكف هذا الرمضان فاعتكف فيه جاز ، وإن لم يعتكفه لا يجوز أن يعتكفه في رمضان الآتي ; لأنه لما فاته المنذور المعين تقرر اعتكافه في الذمة دينا فلا يتأدى [ ص: 113 ] إلا بصوم مقصود ; لعود شرطه : أعني الصوم إلى الكمال الأصلي فلا يتأدى في ضمن صوم آخر . ولقائل أن يقول : لا فرق بين سنة المجاوزة وسنة أخرى ، فإن مقتضى الدليل إذا دخلها بلا إحرام ليس إلا وجوب الإحرام بأحد النسكين فقط . ففي أي وقت فعل ذلك يقع أداء ; لأن الدليل لم يوجب ذلك في سنة معينة ; ليصير بفواتها دينا يقضى . فمهما أحرم من الميقات بنسك عليه تأدى هذا الواجب في ضمنه .
وعلى هذا إذا تكرر الدخول بلا إحرام منه ينبغي أن لا يحتاج إلى التعيين ، وإن كانت أسبابا متعددة الأشخاص دون النوع ، كما قلنا فيمن عليه صوم يومين من رمضان فصام ينوي مجرد قضاء ما عليه ، ولم يعين الأول ولا غيره جاز . وكذا لو كانا من رمضانين على الأصح ، فكذا نقول إذا رجع مرارا فأحرم كل مرة بنسك حتى أتى على عدد دخلاته خرج عن عهدة ما عليه .