( قوله يعبر بهما عن الماضي ) مثل أنكحتك وزوجتك فيقول قبلت أو فعلت أو رضيت . وفي الانعقاد بصرت لي وصرت لك خلاف ، وظاهر الخلاصة اختياره إذا اتصل به القبول .
ولو قالت عرستك نفسي فقبل ينعقد . ثم بين أن الانعقاد به باعتبار أنه جعل إنشاء شرعا فصار هو علة لمعناه فيثبت المعنى عقيبه . والمراد بقوله جعلت للإنشاء شرعا تقرير الشرع ما كان في اللغة ، وذلك لأن العقد قد كان ينشأ بها قبل الشرع فقرره الشرع وإنما اختيرت للإنشاء لأنها أدل على الوجود والتحقق حيث أفادت دخول المعنى في الوجود قبل الإخبار فأفيد بها [ ص: 191 ] ما يلزم وجوده وجود اللفظ ، ثم لما علمنا أن الملاحظ من جهة الشرع في ثبوت الانعقاد ولزوم حكمه جانب الرضا كما نص عليه في قوله تعالى { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } عدينا ثبوت الانعقاد ولزوم حكم العقد إلى كل لفظ يفيد ذلك بلا احتمال مساو للطرف الآخر فقلنا : لو قال بالمضارع ذي الهمزة أتزوجك فقالت زوجت نفسي انعقد ، وفي المبدوء بالتاء نحو تزوجني بنتك ؟ فقال فعلت عند عدم قصد الاستيعاد لأنه يتحقق فيه هذا الاحتمال ، بخلاف الأول لأنه لا يستخبر نفسه عن الوعد .
وإذا كان كذلك والنكاح مما لا تجري فيه المساومة كان للتحقيق في الحال فانعقد به لا باعتبار وضعه للإنشاء بل باعتبار استعماله في غرض تحقيقه واستفادة الرضا منه حتى قلنا : لو صرح بالاستفهام اعتبر فهم الحال . في شرح nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : لو قال هل أعطيتنيها فقال أعطيت ، إن كان المجلس للوعد فوعد وإن كان للعقد فنكاح ، فيحمل قول السرخسي بالفارسية ميدهي ليس بشيء على ما إذا لم يكن قصد التحقيق ظاهرا ، ولو قال باسم الفاعل فكذلك .
عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : إذا قال جئتك خاطبا بنتك أو لتزوجني ابنتك فقال الأب زوجتك فالنكاح لازم ، وليس للخاطب أن لا يقبل لعدم جريان المساومة فيه كما قلنا ، والانعقاد بقوله أنا متزوجك ينبغي أن يكون كالمضارع المبدوء بالهمزة سواء ، وقلنا ينعقد بلفظين وضع أحدهما للمستقبل : يعني الأمر ، فلو قال زوجني بنتك فقال زوجتك انعقد ، ومنه كوني امرأتي ينعقد إذا قبلت .
وفي النوازل : قال زوجي نفسك مني فقالت بالسمع والطاعة صح النكاح ، غير أن المصنف جعل الصحة باعتبار أنه توكيل بالنكاح والواحد يتولى طرفي النكاح فيكون تمام العقد على هذا قائما بالمجيب ، وصرح غيره بأنها نفسها إيجاب فيكون قائما بهما . في فتاوى قاضي خان قال : ولفظة الأمر في النكاح إيجاب ، وكذا في الطلاق إذا قالت طلقني على ألف فطلق كان تاما ، وكذا في الخلع ; وكذا لو قال لغيره اكفل لي بنفس فلان هذا أو بما عليه فقال كفلت تمت الكفالة ، وكذا لو قال هب لي هذا العبد فقال وهبت في مسائل أخر ذكرها ، وهذا أحسن لأن الإيجاب ليس إلا اللفظ المفيد قصد تحقق المعنى أولا وهو صادق على لفظة الأمر فليكن إيجابا . ويستغني عما أورد على تقرير الكتاب من أنه لو كان توكيلا لما اقتصر على المجلس . وجوابه بأنه في ضمن الأمر بالفعل فيكون قبوله تحصيل الفعل في المجلس ، والظاهر أنه لا بد من اعتباره توكيلا وإلا بقي طلب الفرق بين النكاح والبيع حيث لا يتم بقوله بعنيه بكذا فيقول بعت بلا جواب ، إذ جوابه ما ذكره المصنف في البيع بأنه توكيل والواحد يتولى طرفي العقد في النكاح فصح دون البيع ، وحينئذ فتمام العقد قائم بالمجيب فلا يصح قوله ينعقد بلفظين يعبر بأحدهما عن المستقبل ، فلذا قيل المثال الصحيح أتزوجك بألف فتقول قبلت على إرادة الحال ، وعرف من هذا أن شرط القبول في النكاح المجلس كالبيع لا الفور خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي رحمه الله .
وقد يوهم ما ذكر في المنية قال : زوجتك بنتي بألف فسكت الخاطب فقال الصهر ادفع المهر فقال نعم فهو قبول ، وقيل لا أن فيه خلافا وإن كان المختار الصحة ، وقد يكون منشؤه من جهة أنه كان متصفا بكونه خاطبا ، فحيث سكت ولم يجب على الفور كان ظاهرا في رجوعه فيحكم به أولا ، فقوله نعم بعده لا يفيد بمفرده لأن الفور شرط مطلقا ، والله سبحانه أعلم .
وصورة اختلاف المجلس أن يوجب أحدهما فيقوم الآخر قبل القبول أو يكون قد اشتغل بعمل آخر [ ص: 192 ] يوجب اختلاف المجلس ، ثم قيل لا ينعقد لأن الانعقاد هو ارتباط أحد الكلامين بالآخر وباختلاف المجلس يتفرقان حقيقة وحكما ، فلو عقدا وهما يمشيان أو يسيران على الدابة لا يجوز ، وإن كانا في سفينة سائرة جاز ، وستعرف الفرق في البيع إن شاء الله تعالى .