( وطلاق البدعة أن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو ثلاثا في طهر واحد ، فإذا فعل ذلك وقع الطلاق [ ص: 469 ] وكان عاصيا ) وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : كل الطلاق مباح [ ص: 470 - 471 ] لأنه تصرف مشروع حتى يستفاد به الحكم والمشروعية لا تجامع الحظر ، بخلاف الطلاق في حالة الحيض ; لأن المحرم تطويل العدة عليها لا الطلاق . ولنا أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية والإباحة للحاجة إلى الخلاص ، ولا حاجة إلى الجمع بين الثلاث [ ص: 472 ] وهي في المفرق على الأطهار ثانية نظرا إلى دليلها ، والحاجة في نفسها باقية فأمكن تصوير الدليل عليها ، والمشروعية في ذاته من حيث إنه إزالة الرق لا تنافي الحظر لمعنى في غيره وهو ما ذكرناه ، [ ص: 473 ]
وكذا إيقاع الثنتين في طهر واحد بدعة ; لما قلنا . واختلفت الرواية في الواحدة البائنة . قال في الأصل : إنه أخطأ السنة ; لأنه لا حاجة إلى إثبات صفة زائدة في الخلاص وهي البينونة ، وفي الزيادات أنه لا يكره للحاجة إلى الخلاص ناجزا .
وذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين إلى أنه يقع ثلاثا . ومن الأدلة في ذلك ما في مصنف nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني في حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر المتقدم { nindex.php?page=hadith&LINKID=83546قلت : يا رسول الله أرأيت لو طلقها ثلاثا ؟ قال : إذا قد عصيت ربك وبانت منك امرأتك } وفي سنن أبي داود عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد قال : كنت عند nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فجاءه رجل فقال : إنه طلق امرأته ثلاثا ، قال : فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ، ثم قال ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول يا nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يا nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ؟ فإن الله عز وجل قال { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } عصيت ربك وبانت منك امرأتك . وفي موطأ nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : بلغه أن رجلا قال nindex.php?page=showalam&ids=11لعبد الله بن عباس : إني طلقت امرأتي مائة تطليقة فماذا ترى علي ؟ فقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : طلقت منك ثلاثا وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا . وفي الموطأ أيضا : بلغه أن رجلا جاء إلى nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فقال : إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات ، فقال : ما قيل لك . فقال : قيل لي بانت منك ، قال : صدقوا ، هو مثل ما يقولون وظاهره الإجماع على هذا الجواب .
وفي سنن أبي داود وموطأ nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن محمد بن إياس بن البكير قال : طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ، ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي ، فذهبت معه فسأل nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبا هريرة عن ذلك [ ص: 470 ] فقالا : لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك ، قال : فإنما كان طلاقي إياها واحدة ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل . وهذا يعارض ما تقدم من أن غير المدخول بها إنما تطلق بالثلاث واحدة وجميعها يعارض ما عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وفي موطأ nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك مثله عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر . وأما إمضاء nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الثلاث عليهم فلا يمكن مع عدم مخالفة الصحابة له مع علمه بأنها كانت واحدة إلا وقد اطلعوا في الزمان المتأخر على وجود ناسخ . هذا إن كان على ظاهره أو لعلمهم بانتهاء الحكم كذلك لعلمهم بإناطته بمعان علموا انتفاءها في الزمن المتأخر فإنا نرى الصحابة تتابعوا على هذا الأمر ولا يمكن وجود ذلك منهم مع اشتهار كون حكم الشرع المتقرر كذلك أبدا ، فمن ذلك ما أوجدناك عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة وروي أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص . وأسند nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن علقمة قال : جاء رجل إلى nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فقال : إني طلقت امرأتي تسعا وتسعين ، فقال له nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : ثلاث تبينها وسائرهن عدوان . وروى nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن حبيب بن ثابت قال : جاء رجل إلى nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب فقال : إني طلقت امرأتي ألفا ، فقال له nindex.php?page=showalam&ids=8علي : بانت منك بثلاث واقسم سائرهن على نسائك . وروى nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع أيضا عن معاوية بن أبي يحيى قال : جاء رجل إلى nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان فقال : طلقت امرأتي ألفا فقال بانت منك بثلاث .
وأسند nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق { nindex.php?page=hadith&LINKID=83547عن nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت أن أباه طلق امرأته ألف تطليقة ، فانطلق nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة فسأله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بانت بثلاث في معصية الله تعالى ، وبقي تسعمائة وسبع وتسعون عدوانا وظلما ، إن شاء عذبه الله وإن شاء غفر له } وقول بعض الحنابلة القائلين بهذا المذهب : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف عين رأته فهل صح لكم عن هؤلاء أو عن عشر عشر عشرهم القول بلزوم الثلاث بفم واحد بل لو جهدتم لم تطيقوا نقله عن عشرين نفسا باطل ، أما أولا فإجماعهم ظاهر ، فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه خالف nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه حين أمضى الثلاث ، وليس يلزم في نقل الحكم الإجماعي عن مائة ألف أن يسمى كل ليلزم في مجلد كبير حكم واحد على أنه إجماع سكوتي . وأما ثانيا فإن العبرة في نقل الإجماع ما نقل عن المجتهدين لا العوام والمائة الألف الذين توفي عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبلغ عدة المجتهدين الفقهاء منهم أكثر من عشرين كالخلفاء والعبادلة nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة رضي الله عنه وقليل والباقون يرجعون إليهم ويستفتون منهم ، وقد أثبتنا النقل عن أكثرهم صريحا بإيقاع الثلاث ولم يظهر لهم مخالف فماذا بعد الحق إلا الضلال . وعن هذا قلنا : لو حكم حاكم بأن الثلاث بفم واحد واحدة لم ينفذ حكمه ; لأنه لا يسوغ الاجتهاد فيه فهو خلاف لا اختلاف ، والرواية عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بأنها ثلاث أسندها nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي وغيره .
وغاية الأمر أن يصير كبيع أمهات الأولاد أجمع على نفيه ، وكن في الزمن الأول يبعن ، وبعد ثبوت إجماع الصحابة رضي الله عنهم لا حاجة إلى الاشتغال بالجواب عن قياسهم على الوكيل بالطلاق واحدة إذا طلق ثلاثا مع ظهور الفرق بأن مخالفته لا تحتمل مخرجا عن الإبطال لمخالفته الإذن ، والمكلفون وإن كانوا أيضا إنما يتصرفون بإذن الشرع لكن إذا أجمعوا على خلاف بعض الظواهر والإجماع حجة قطعية كان مقدما بأمر الشرع على ذلك الظاهر ، قلنا : أن لا نشتغل معه بتأويل ، وقد يجمع بما ذكرنا من الاطلاع على الناسخ أو العلم بانتهاء الحكم لانتهاء علته ، هذا وإن حمل الحديث على خلاف ظاهره دفعا لمعارضة إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما أوجدناك من النقل [ ص: 471 ] عنهم واحدا واحدا ، وعدم مخالف nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر في إمضائه وظاهر حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه ، فتأويله أن قول الرجل أنت طالق أنت طالق أنت طالق كان واحدة في الزمن الأول لقصدهم التأكيد في ذلك الزمان ، ثم صاروا يقصدون التجديد فألزمهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ذلك لعلمه بقصدهم .
وما قيل في تأويله أن الثلاث التي يوقعونها الآن إنما كانت في الزمان الأول واحدة تنبيه على تغير الزمان ومخالفة السنة فيشكل إذ لا يتجه حينئذ قوله فأمضاه nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه .
وفي بعض روايات { nindex.php?page=hadith&LINKID=83550حديث nindex.php?page=showalam&ids=11129فاطمة بنت قيس : طلقني زوجي ثلاثا ، فلم يجعل لي النبي صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى } وطلق nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف تماضر ثلاثا في مرضه ، وطلق nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي رضي الله عنه امرأته شهباء ثلاثا لما هنأته بالخلافة بعد موت nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه ; ولأن الطلاق مشروع والمشروعية لا تجامع الحظر ; ألا ترى أنه لو طلق نساءه الأربع دفعة جاز ، فكذا الواحدة ثلاثا بطريق الأولى ، بخلاف الطلاق في حالة الحيض ; لأنه يحرم للمضارة بتطويل العدة عليها لا الطلاق ، وبخلافه في الطهر الذي جامعها فيه يحرم لتلبيس وجه العدة أهو بالأقراء أو الوضع لاحتمال الحبل ولنا قوله تعالى { الطلاق مرتان } إلى أن قال { فإن طلقها } فلزم أن لا طلاق شرعا إلا كذلك ; لأنه ليس وراء [ ص: 472 ] الجنس شيء ، وهذا من طرق الحصر فلا طلاق مشروع ثلاثا بمرة واحدة وكان يتبادر أن لا يقع شيء كما قال الإمامية ، لكن لما علمنا أن عدم مشروعيته كذلك لمعنى في غيره وهو تفويت معنى شرعيته سبحانه له كذلك وإمكان التدارك عند الندم ، وقد يعود ضرره على نفسه وقد لا ، وهذا معنى قوله والمشروعية في ذاته لا تنافي الحظر إلى آخره على ما نبين .
ولنا أيضا ما قدمناه من قول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما للذي طلق ثلاثا وجاء يسأل : عصيت ربك . وما قدمناه من مسند nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق في حديث nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت حيث قال صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=83551بانت بثلاث في معصية الله تعالى } وكذا ما حدث nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن ابن مرزوق عن أبي حذيفة عن سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن مالك بن الحارث قال : جاء رجل إلى nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فقال : إن عمي طلق امرأته ثلاثا ، فقال : إن عمك عصى الله فأثم ، وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا ، وما روى nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي عن nindex.php?page=showalam&ids=17053محمود بن لبيد قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=83552أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاثا جميعا فقام غضبان فقال : أيلعب بكتاب الله عز وجل وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ألا أقتله } وأما ما في بعض الشروح من نسبة الطلاق المذكور إلى nindex.php?page=showalam&ids=17053محمود بن لبيد فغير معروف ، وحينئذ فيجب حمل ما روي عن بعض الصحابة من الطلاق ثلاثا أنهم قالوا ثلاثا للسنة ، وأيضا لنا ما ذكر المصنف من أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما فيه من قطع المصالح الدينية والدنيوية والأدلة السمعية التي ذكرناها ، وإنما يباح للحاجة إلى الخلاص من المفاسد التي قد تعرض في الدين والدنيا فيعود على موضوعه بالنقض ، ولا حاجة إلى الجمع بين الثلاث بخلاف تفريقها على الأطهار فإنها ثابتة نظرا إلى دليلها ، وقد قدمنا أن الحاجة باطنة ، فأنيط الحكم بالحل على دليلها وهو الإقدام عليه في زمن الرغبة ، فإذا طلقها في كل طهر طلقة حكم بالحاجة إلى الثلاث كذلك فورد عليه أن دليل الحاجة إنما يعتبر عند تصور الحاجة وهي هاهنا غير متصورة للعلم بارتفاعها بالطلقة الواحدة ، فأجاب بمنع انتفائها بالكلية لما قررناه في جواب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك من أن الحاجة قد تتحقق إلى فطام النفس على وجه يأمن ظاهرا عروض الندم ، وطريق دفعها حينئذ الثلاث مفرقة على الأطهار لا مجموعة لما وجهنا به .
( قوله والمشروعية في ذاته ) جواب عن قوله مشروع فلا ينافي الحظر : [ ص: 473 ] يعني أن مشروعيته باعتبار ذاته ، فإنه في ذاته إزالة الرق لما قدمنا من أن النكاح نوع رق فلا ينافي الحظر لغيره وهو ما ذكرنا من أن فيه قطع متعلق المصالح الدينية والدنيوية فجاز إثبات مشروعيته في ذاته مع حظره لذلك فيصح إذا وقع ويستعقب أحكامه مع استعقاب استحقاق العقاب إذا لم يكن مسوغ للحظر الحالي كالصلاة في الأرض المغصوبة . والوجه في تقريره أنه مشروع من حيث هو دافع لحاجة لزوم فساد الدين والدنيا ، ولا ينافيه كونه غير مشروع من حيث إنه إضرار وكفران بلا حاجة ، وهذا أحسن من قوله مشروع في ذاته إلخ إذا تأملت ; لأن هذا التفصيل هو الواقع في نفس الأمر ، وسيصرح به في وجه قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف في طلاق الحامل حيث قال : ولهما أن الإباحة بعلة الحاجة ( قوله وكذا إيقاع الثنتين في الطهر الواحد بدعة لما قلنا ) من أنه لا حاجة إلى الزيادة على الواحدة ( قوله واختلفت الرواية في الواحدة البائئة ، قال في الأصل ) يعني أصل المبسوط وهو الكافي للحاكم أبي الفضل أخطأ السنة ، وهو ظاهر الرواية ; لأنه لا حاجة في الخلاص إلى إثبات صفة البينونة ; ولأنه يسد على نفسه باب التدارك عند عدم اختيار المرأة الرجعة . وفي الزيادات : لا يكره للحاجة إلى الخلاص ناجزا ، والمراد زيادات الزيادات فلا يشكل صحة إطلاق الزيادات عليها ، ومما يدل على صحة هذه أن أبا ركانة طلق امرأته ألبتة والواقع بها بائن ولم ينكر صلى الله عليه وسلم ، والقياس على الخلع . الجواب تجويز أن يكون أبو ركانة طلق امرأته قبل الدخول أو أنه أخر الإنكار عليه لحال اقتضت تأخيره إذ ذاك ، والخلع لا يكون إلا عند تحقق الحاجة وبلوغها النهاية ، ولهذا روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أن الخلع لا يكره حالة الحيض .