صفحة جزء
قال رضي الله عنه : [ ص: 151 ] ( ومن كان محصورا أو في صف القتال فطلق امرأته ثلاثا لم ترثه ، وإن كان قد بارز رجلا أو قدم ليقتل في قصاص أو رجم ورثت إن مات في ذلك الوجه أو قتل ) وأصله ما بينا أن امرأة الفار ترث استحسانا ، وإنما يثبت حكم الفرار بتعلق حقها بماله ، وإنما يتعلق بمرض يخاف منه الهلاك غالبا كما إذا كان صاحب الفراش وهو أن يكون بحال لا يقوم بحوائجه كما يعتاده الأصحاء ، وقد يثبت حكم الفرار بما هو في معنى المرض في توجه الهلاك الغالب ، وما يكون الغالب منه السلامة لا يثبت به حكم الفرار ، فالمحصور والذي في صف القتال الغالب منه السلامة لأن الحصن لدفع بأس العدو وكذا المنعة فلا يثبت به حكم الفرار ، والذي بارز أو قدم ليقتل الغالب منه الهلاك فيتحقق به الفرار ولهذا أخوات تخرج على هذا الحرف ، وقوله إذا مات في ذلك الوجه أو قتل دليل على أنه لا فرق بين ما إذا مات [ ص: 152 ] بذلك السبب أو بسبب آخر كصاحب الفراش بسبب المرض إذا قتل .


( قوله ومن كان محصورا إلخ ) الحاصل أن مبنى الفرار على الطلاق حال توجه الهلاك الغالب عنده ، وغلبة الهلاك تكون حال عدم المرض كما تكون به وتوجهه بغيره يكون بالمبارزة والتقدمة للرجم والقتل قصاصا ، أو في سفينة فتلاطمت الأمواج وخيف الغرق أو انكسرت وبقي على لوح أو افترسه سبع فبقي في فمه ، بخلاف ما إذا كان محصورا في حصن أو في صف القتال أو محبوسا للقتل أو نازلا في مسبعة أو في مخيف من العدو أو راكب سفينة دون ما قلنا ، والمرأة في جميع ذلك كالرجل ، فلو باشرت سبب الفرقة فيما ذكرناه من أحوال الفرار كخيار البلوغ والعتق وتمكين ابن الزوج والارتداد فإنه يرثها على ما بيناه آنفا .

والحامل لا تكون فارة إلا في حال الطلق .

وقال مالك : إذ تم لها ستة أشهر ثبت حكم فرارها لتوقع الولادة في كل ساعة .

قلنا : المناط ما يخاف منه الهلاك ولا يخاف منه إلا في الطلق ، وتوجهه بالمرض قيل : أن لا يقدر أن يقوم إلا بأن يقام ، وقيل إذا خطا ثلاث خطوات من غير أن يهادى فصحيح وإلا فمريض .

وضعف بأن المريض جدا لا يعجز أن يتكلف لهذا القدر ، وقيل أن لا يقدر أن يمشي إلا أن يهادى ، وقيل أن لا يقوم بحوائجه في البيت كما تعتاده الأصحاء وإن كان يتكلف ، والذي يقضيها فيه وهو يشتكي لا يكون فارا لأن [ ص: 152 ] الإنسان قلما يخلو عنه ، فأما من يذهب ويجيء ويحم فلا وهو الصحيح ، فأما إذا أمكنه القيام بها في البيت لا في خارجه فالصحيح أنه صحيح ، هذا في حق الرجل .

أما المرأة فإذا لم يمكنها الصعود إلى السطح فهي مريضة ، والمسلول والمفلوج والقعد ما دام يزداد ما به فهو غالب الهلاك وإلا فكالصحيح ، وبه كان يفتي برهان الأئمة والصدر الشهيد .

وقيل إن كان لا يرجى برؤه بالتداوي فكالمريض وإلا فكالصحيح .

وقيل ما كان يزداد أبدا ، لا إن كان يزداد تارة ويقل أخرى ، ولو قرب للقتل فطلق ثم خلى سبيله أو حبس ثم قتل أو مات فهو كالمريض ترثه لأنه ظهر فراره بذلك الطلاق ثم ترتب موته فلا يبالي بكونه بغيره .

واعلم أن قوله وما يكون الغالب منه السلامة لا يثبت به حكم الفرار يقتضي إلحاق حالة الطلق للحامل والمبارزة بحال الصحة إلا أن يبرز لمن علم أنه ليس من أقرانه ، فالأولى أن يعلق ما هو في حكم مرض الموت بما يخاف منه الموت غالبا كما ذكره في المرض ، على أنه غالبا متعلق بالخوف وإن لم يكن الواقع غلبة الهلاك فتأمل ، وأما في حالة فشو الطاعون فهل يكون لكل من الأصحاء حكم المرض فقاله الشافعية ولم أره لمشايخنا

التالي السابق


الخدمات العلمية