( باب الظهار ) مناسبته بالخلع أن كلا منهما يكون عن النشوز ظاهرا ، وقدم الخلع لأنه أكمل في باب التحريم إذ هو تحريم بقطع النكاح وهذا مع بقائه .
والظهار لغة مصدر ظاهر وهو مفاعلة من الظهر فيصح أن يراد به معان مختلفة ترجع إلى الظهر معنى ولفظا بحسب اختلاف الأغراض ، فيقال ظاهرت : أي قابلت ظهرك بظهره حقيقة ، وإذا غايظته أيضا وإن لم تدابره حقيقة باعتبار أن المغايظة تقتضي هذه المقابلة ، وظاهرته إذا نصرته باعتبار أنه يقال قوى ظهره إذا نصره ، وظاهر من امرأته وأظهر وتظاهر واظاهر وظهر وتظهر إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي ، وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر على اعتبار جعل ما يلي به كل منهما الآخر ظهرا للثوب ، وغاية ما يلزم كون لفظ الظهر في بعض هذه التراكيب مجازا ، وكونه مجازا لا يمنع الاشتقاق منه ويكون المشتق مجازا أيضا ، وإنما عدي بمن مع أنه يتعدى بنفسه لتضمنه معنى التبعيد لأنه كان طلاقا وهو مبعد ثم قيل : الظهر هنا مجاز عن البطن لأنه إنما يركب البطن فكظهر أمي : أي كبطنها بعلاقة المجاورة ولأنه عموده ، لكن لا يظهر ما هو الصارف عن الحقيقة من النكات . وقيل خص الظهر لأن إتيان المرأة من ظهرها كان حراما ، فإتيان أمه من ظهرها أحرم فكثر التغليظ . وفي الشرع : هو تشبيه الزوجة أو جزء منها شائع أو معبر به عن الكل بما لا يحل النظر إليه من المحرمة على التأبيد ولو برضاع أو صهرية ، وزاد في النهاية قيد الاتفاق احترازا عما لو قال أنت علي كظهر فلانة ، وفلانة أم من زنى بها أو بنتها لم يكن مظاهرا ، وسنذكر ما هو التحقيق إن شاء الله تعالى .
ولا فرق بين كون ذلك العضو الظهر أو غيره مما لا يحل النظر إليه ، وإنما خص باسم الظهار تغليبا للظهر لأنه كان الأصل في استعمالهم وشرطه في المرأة كونها زوجة ، وفي الرجل كونه من أهل الكفارة فلا يصح ظهار الذمي كالصبي والمجنون ، وركنه للفظ المشتمل على ذلك التشبيه ، وحكمه حرمة الوطء ودواعيه إلى وجود الكفارة . واختلف في سبب وجوبها فقال في المنافع : تجب بالظهار والعود لأن الظهار كبيرة فلا يصح سببا للكفارة لأنها عبادة أو المغلب فيها [ ص: 246 ] معنى العبادة ، ولا يكون المحظور سببا للعبادة فعلق وجوبها بهما ليخف معنى الحرمة باعتبار العود الذي هو إمساك فيكون دائرا بين الحظر والإباحة فيصح سببا للكفارة الدائرة بين العبادة والعقوبة . وقيل سبب وجوبها العود ، والظهار شرط ، ولفظ الآية يحتملهما وهي قوله تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة } إلى آخره ، فيمكن حمل ترتيبها عليهما أو على الأخير ، لكن إذا أمكن البساطة صير إليها لأنها الأصل بالنسبة إلى التركيب ، فلذا قال في المحيط سبب وجوبها العزم على الوطء ، والظهار شرط وهو بناء على أن المراد من لفظ العود في الآية العزم على الوطء .
واعترض بأن الحكم يتكرر بتكرر سببه لا شرطه ، والكفارة تتكرر بتكرر الظهار لا العزم وكثير من مشايخنا على أنه العزم على إباحة الوطء بناء على إرادة المضاف في الآية : أي يعودون لضد ما قالوا أو لتداركه نزل القول منزلة المقول . ويرد عليه ما يرد على ما قبله ، وهذا بناء على عدم صحة إرادة ظاهرها وهو تكرار نفس الظهار كما قال nindex.php?page=showalam&ids=15858داود للحديثين اللذين يروونهما فإن ظاهرهما عدم تعلقهما بتكرره ويرد أن بمجرد العزم لا تتقرر الكفارة عندنا كما نص عليه في المبسوط ، حتى لو أبانها أو ماتت بعد العزم لا كفارة عليه قال : فهذا دليل على أنها غير واجبة لا بالظهار ولا بالعود ، إذ لو وجبت لما سقطت بل موجب الظهار ثبوت التحريم ، فإذا أراد رفعه وجب عليه في رفعه الكفارة عندنا كما تقول لمن أراد الصلاة النافلة يجب عليك إن صليتها أن تقدم الوضوء . وعند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله هو سكوته بعد ظهاره قدر ما يمكنه طلاقها .
ورد بأن شرعية الكفارة لرفع الحرمة والجناية ، والظهار لم يوجب تحريم العقد ليكون الإمساك عن طلاقها جناية ، وأيضا فقد يكون الإمساك عن طلاقها ليسعى في أمر الكفارة وتحصيلها أو للتروي في طلاقها أو التكفير فلا يكون مجرده بعد الظهار جناية فلا ينتهض سببا للكفارة .
واعلم أن هذه الحرمة لا ترفع إلا بكفارة لا بملك ولا بزوج ثان ، حتى لو طلقها بعد الظهار ثلاثا فعادت إليه بعد زوج آخر أو كانت أمة وملكها بعد ما ظاهر منها لا يحل قربانها حتى يكفر فيهما ، وللمرأة أن تطالبه بالوطء وعليها أن تمنعه من الاستمتاع بها حتى يكفر ، وعلى القاضي أن يجبره على التكفير دفعا للضرر عنها بحبس ، فإن أبى ضربه ولا يضرب في الديني ، ولو قال قد كفرت صدق ما لم يعرف بالكذب وألفاظه صريح وكناية وستأتي .