والثاني : أن هذه الأشياء دواعي الرغبة فيها وهي ممنوعة عن النكاح فتجتنبها كي لا تصير ذريعة إلى الوقوع في المحرم ، وقد صح أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأذن للمعتدة في الاكتحال .
والدهن لا يعرى عن نوع طيب وفيه زينة الشعر ، ولهذا يمنع المحرم عنه قال : إلا من عذر لأن فيه ضرورة ، والمراد الدواء . [ ص: 340 ] لا الزينة . ولو اعتادت الدهن فخافت وجعا ، فإن كان ذلك أمرا ظاهرا يباح لها لأن الغالب كالواقع ، وكذا ليس الحرير إذا احتاجت إليه لعذر لا بأس به .
( فصل )
لما ذكر نفس وجوب العدة وكيفية وجوبها أخذ يذكر ما يجب فيها على المعتدات فإنه في المرتبة الثانية من [ ص: 336 ] أصل وجوبها .
( قوله وعلى المبتوتة ) يعني ويجب بسبب التزوج على المبتوتة وأصله المبتوت طلاقها ، ترك ذلك للعلم به لكثرة الاستعمال وهي المختلعة والمطلقة ثلاثا أو واحدة بائنة ابتداء ، ولا نعلم خلافا في عدم وجوبه على الزوجة بسبب غير الزوج من الأقارب وهل يباح ؟ قال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في النوادر : لا يحل الإحداد لمن مات أبوها أو أمها أو ابنها أو أخوها وإنما هو في الزوج خاصة ، قيل : أراد بذلك فيما زاد على الثلاث لما في الحديث من إباحته للمسلمات على غير أزواجهن ثلاثة أيام ، والتقييد بالمبتوتات يفيد نفي وجوبه على الرجعية ، وينبغي أنها لو أرادت أن تحد على قرابة ثلاثة أيام ولها زوج له أن يمنعها ، لأن الزينة حقه حتى كان له أن يضربها على تركها إذا امتنعت وهو يريدها . وهذا الإحداد مباح لها لا واجب عليها وبه يفوت حقه .
وما قيل من أن نفي حل الإحداد نفي الإحداد فاستثناؤه استثناء من نفيه وهو إثباته فيصير حاصله لا إحداد إلا من زوج فإنها تحد ، وذلك يقتضي الوجوب لأن الإخبار [ ص: 337 ] يفيده على ما عرف ، ومن أن نفي حل الإحداد إيجاب الزينة فاستثناؤه استثناء من الإيجاب فيكون إيجابا ، لأن الأصل أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه غير لازم ، إذ يمنع كون نفي حل الشيء الحسي نفي له عن الوجوب لغة أو شرعا ليتضمن الاستثناء الإخبار بوجوده بل نفي له عن الحل ، ولو سلم فوجود الشيء في الشرع لا يستلزم الوجوب لتحققه بالإباحة والندب ولا وجوب .
وأيضا استثناء الإحداد من إيجاب الزينة حاصله نفي وجوب الزينة وهو معنى حل الإحداد ، واتحاد الجنس حاصل مع هذا ، فإن المستثنى والمستثنى منه الإحداد ، ولا يتوقف اتحاد الجنس على صفة الوجود فيهما فهو كالأول ، فلذا قال ظهير الدين : وما فاهوا به بما فيه ثلج الفؤاد . وعن هذا ذهب الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري إلى أنه لا يجب ولكن يحل . ويدل عليه ما أخرجه أبو داود في مراسيله عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب { nindex.php?page=hadith&LINKID=66322أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمرأة أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها ، وعلى من سواه ثلاثة أيام } . والحق أن الاستدلال بنحو حديث حفصة في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=31415لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا } فإن فيه تصريحا بالإخبار ، ويكون الحديث المذكور للمصنف محكوما بإرادة الإخبار بوجود فعلها منه بطريق الحمل لظهور إرادته في حديث آخر ، ولم يخف أن الإخبار الموجب للوجوب الإخبار بصدور الفعل بالنسبة إلى المكلف لا بالنسبة إلى ثبوته شرعا مثلا إذا قال الحداد تفعله المرأة أفاد الوجوب لا إذا قال الحداد ثابت شرعا فإنه أعم .
ولو سلم ثبت المطلوب بالقياس على عدة المتوفى عنها بجامع إظهار التأسف على فوات نعمة النكاح ، وبتقدير تسليم أن ما عينه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مناسب معتبر في محل النص وهو المتوفى عنها زوجها لكنه ليس هو المناسب المعتبر على الحصر بل في المحل أيضا إظهار التأسف على فوات نعمة النكاح التي هي من أسباب النجاة في المعاد والدنيا فإنه ضابط للحكمة المقصودة لفوات الزوج ، وكون الزينة والطيب من مهيجات شهوة الجماع وهي ممنوعة عن النكاح شرعا في هذه المدة فتمتنع دواعيه دفعا لما يدافع عن أداء الواجب ، وقد ذكر المصنف هذا المعنى أيضا عند قوله وفيه وجهان إلى آخره ، لكن ظاهره أنه ذكر على أنه علة أخرى ، والتحقيق أنه حكمة لأن المنضبط فوات ما قلناه ، بخلاف ما هو دواعيه ، وكل من الأمرين يستقل بالحكم ، فإذا وجد في محل ثبت معه ذلك الحكم ، ففي المبتوتة إن فقد التأسف على الزوج فالآخر وهو إظهار التأسف على فوات نعمة النكاح موجود ، ولو تم ما ذكر من إظهار التأسف مطلقا ليس علة ; لأنه ممنوع منه بقوله تعالى { لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } فلا يكون الإحداد في المتوفى عنها منوط به لزم كون وجوبه تبعا للعدة بالنص أو معلولا بالآخر فقط ، لكن منع بأن المراد بقوله تعالى { لكيلا تأسوا } [ ص: 339 ] الآية ، الأسى مع الصياح والفرح مع الصياح ، نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود موقوفا ومرفوعا ( قوله والحداد ويقال الإحداد ) فمن الأول يقال حدت المرأة تحد من باب نصر ومن باب ضرب أيضا حداد فهي حاد ، ومن الثاني يقال : أحدت تحد إحدادا فهي محد .
( قوله أن تترك الطيب ) ولا تحضر عمله ولا تتجر فيه وإن لم يكن لها كسب إلا فيه
( قوله وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ) تقدم ( قوله والدهن لا يعرى عن نوع طيب ) إما في ذاته أو في المدهن به لما فيه من طيب نفسه به وزينته ، وقد وقع للزيلعي مخرج الأحاديث هنا وهم . وذلك أنه جعل لفظة الدهن عطفا على الاكتحال فقال عن المصنف : إنه صلى الله عليه وسلم لم يأذن للمعتدة في الاكتحال والدهن ، فخرج حديث منعه الاكتحال ثم قال : وأما الدهن فقريب وهو سهو ، فإن الدهن مبتدأ خبره قوله لا يعرى عن نوع طيب فألحقه إلحاقا .
( قوله قال : إلا من عذر ) لأن فيه ضرورة هذا مذهب جمهور الأئمة ، وذهبت الظاهرية إلى [ ص: 340 ] أنها لا تكتحل ولو من وجع وعذر لما تقدم من الحديث الصحيح حيث نهى نهيا مؤكدا عن الكحل التي اشتكت عينها ، والجمهور حملوه على أنه لم يتحقق الخوف على عينها ، وكذا قال المصنف ، فإن كان ذلك أمرا ظاهرا يباح لها ذلك بشهادة الكتاب والسنة على ذلك من حيث العمومات ، وقد جاء في حديثأم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينها فتكتحل بكحل الجلاء فأرسلت مولاة لها إلى nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة فسألتها عن كحل الجلاء فقالت : لا تكتحل منه إلا من أمر لا بد منه يشتد عليك فتكتحلي بالليل وتمسحيه بالنهار ثم قالت : عند ذلك { nindex.php?page=hadith&LINKID=18754دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي nindex.php?page=showalam&ids=233أبو سلمة وقد جعلت علي صبرا ، فقال : ما هذا يا nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ؟ فقلت : إنما هي صبر يا رسول الله ؟ فقال : إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وانزعيه بالنهار ، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب } الحديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره ، لكن أمها مجهولة ، وتمتشط بأسنان المشط الواسعة لا الضيقة ذكره في المبسوط ، وأطلقه الأئمة الثلاثة ، وقد ورد في الحديث مطلقا ، وكونه بالضيقة يحصل معنى الزينة وهي ممنوعة منها ، وبالواسعة يحصل دفع الضرر ممنوع بل قد تحتاج لإخراج الهوام إلى الضيقة . نعم كل ما أرادت به معنى الزينة لم يحل . وأجمعوا على منع الأدهان المطيبة ، واختلفوا في غير المطيبة كالزيت والشيرج البحتين والسمن فمنعناه نحن nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي إلا لضرورة لحصول الزينة به ، وأجازه الإمامان والظاهرية .
( قوله لعذر ) كالحكة والقمل والمرض ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : يباح لها الحرير الأسود والحلي ، والمعنى المعقول من النص في منع المصبوغ ينفيه ، وقد صرح بمنع الحلي في الحديث على ما سنذكره ، ولم يستثن من المصبوغ في الحديث السابق إلا العصب فشمل منع الأسود .