[ ص: 415 ] فصل ( وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وجداته إذا كانوا فقراء وإن خالفوه في دينه ) أما الأبوان فلقوله تعالى { وصاحبهما في الدنيا معروفا } نزلت الآية في الأبوين الكافرين ، وليس من المعروف أن يعيش في نعم الله تعالى ويتركهما يموتان جوعا ، وأما الأجداد والجدات فلأنهم من الآباء والأمهات ولهذا يقوم الجد مقام [ ص: 416 ] الأب عند عدمه ولأنهم سببوا لإحيائه فاستوجبوا عليه الإحياء بمنزلة الأبوين . وشرط الفقر لأنه لو كان ذا مال ، فإيجاب نفقته في ماله أولى من إيجابها في مال غيره ، ولا يمنع ذلك باختلاف الدين لما تلونا ( ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة والأبوين والأجداد والجدات والولد وولد الولد ) أما الزوجة فلما ذكرنا أنها واجبة لها بالعقد لاحتباسها لحق له مقصود ، وهذا لا يتعلق باتحاد الملة ، وأما غيرها فلأن الجزئية ثابتة وجزء المرء في معنى نفسه ، فكما لا يمتنع نفقة نفسه لكفره لا يمتنع نفقة جزئه إلا أنهم إذا كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم وإن كانوا مستأمنين ، لأنا نهينا عن البر في حق من يقاتلنا في الدين .
[ ص: 415 ] ( فصل ) ( قوله وعلى الرجل ) أي الموسر ( قوله وأجداده ) يدخل فيه الجد لأب والجد لأم وإن علوا ، وفي جداته جداته لأبيه وجداته لأمه وإن علون . وقوله : إذا كانوا فقراء يوافق بإطلاقه قول السرخسي حيث قال : إذا كان الأب قادرا على الكسب يجبر الابن على نفقته ، بخلاف قول الحلواني : إنه لا يجبر إذا كان الأب كسوبا لأنه كان غنيا باعتبار الكسب فلا ضرورة في إيجاب النفقة على الغير ، وإذا كان الابن قادرا على الكسب لا تجب نفقته على الأب ، فلو كان كل منهما كسوبا يجب أن يكتسب الابن وينفق على الأب فالمعتبر في إيجاب نفقة الوالدين مجرد الفقر . قيل : هو ظاهر الرواية لأن معنى الأذى في إيكاله إلى الكد والتعب أكثر منه في التأفيف المحرم بقوله تعالى { فلا تقل لهما أف } ولا خلاف في استحقاق الزوجة الغنية لأنه في مقابلة احتباسه إياها لاستيفاء حق مقصود له فكان كاستحقاق القاضي الغني .
ولقائل أن يقول : النهي إنما يتعلق بالذين تحقق منهم قتال في الدين وإخراج المسلمين من ديارهم وهم أهل مكة فلا يتناول الأبوين الحربيين اللذين لم يتحقق منهما قتال ولا مظاهرة على إخراج ، ولا يصح القياس على أهل مكة بمجرد جامع كونهم حربا لأن الحكم علق بمجموع من تحقق القتال والإخراج منه ، وأيضا صرح النص بعدم النهي عنه بقوله تعالى { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } ومعلوم أن الذين لم يقاتلوا أيضا حربيون ( قوله وأما الأجداد والجدات فلأنهم من الآباء والأمهات ) ظاهره أنهم يدخلون في اللفظ : [ ص: 416 ] أعني لفظ الأبوين الذي هو مرجع الضمير في قوله { وصاحبهما في الدنيا معروفا } وفيه نظر ، فإنهم في مسألة الأمان فيما إذا قالوا آمنونا على آبائنا صرحوا بعدم دخول الأجداد لعموم انتظام اللفظ ، فإن أراد إلحاقهم بالقياس فلا حاجة ، بل لا ينبغي أن يعلل بأنهم من الآباء بل يعلل استحقاق الأبوين النفقة بتسببهم في وجوده ويلحق بهم الأجداد ويعتبره في عموم المجاز ، ومن العجب عدم اعتبارهم إياه في عموم المجاز في الأمان ليدخل الأجداد مع أن الأمان يحتاط في إثباته . وقوله ولهذا يقوم الجد إلخ قيامه مقامه في الوراثة وولاية الإنكاح والتصرف في مال ولد الولد ، هذا ولو قال : إنهم من الوالدين والوالدات كان أقرب لأن مرجع ضمير صاحبهما الوالدان لا الأبوان .
( قوله أما الزوجة إلخ ) عرف من قوله واجبة بالعقد لاحتباسها أنه حيث أضاف إيجاب النفقة إلى العقد فهو إضافة إلى العلة البعيدة وأن المؤثر بالذات هو الاحتباس الخاص على ما قدمنا .
( قوله فكما لا يمتنع إلخ ) الأحسن أن يقال : فكما يجبر على إنفاقه على نفسه مع كفره وذمته يجبر على نفقة جزئه لأن عدم الامتناع لا يستلزم الوجوب وهو المطلوب بل أخص منه وهو الجبر عليه ، وكونه يجبره الحاكم على إنفاقه على نفسه محل نظر ، أما فتواه بوجوب ذلك فلا شك فيه ، وكذا أمره بالمعروف من ذلك .