[ ص: 116 ] ( باب اليمين في الأكل والشرب ) [ ص: 117 ] قال ( ومن حلف لا يأكل من هذه النخلة فهو على ثمرها ) لأنه أضاف اليمين إلى ما لا يؤكل فينصرف إلى ما يخرج منه وهو الثمر لأنه سبب له فيصلح مجازا عنه ، لكن الشرط أن لا يتغير بصنعه جديدة حتى لا يحنث بالنبيذ والخل والدبس المطبوخ .
( باب اليمين في الأكل والشرب )
أعقبه الخروج لأن الخروج من المنزل يراد لتحصيل ما به بقاء البنية من المأكول والمشروب إليه الإشارة بقوله تعالى { فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه } على ما يقال . والأكل إيصال ما يتأتى فيه المضغ إلى الجوف [ ص: 117 ] وإن ابتلعه بلا مضغ . والشرب إيصال ما لا يتأتى فيه المضغ كالماء واللبن والنبيذ هكذا في التجريد . وذكر الزندوستي أن الأكل عبارة عن عمل الشفاه والحلق . والذوق عبارة عن عمل الشفاه دون الحلق . والابتلاع عبارة عن عمل الحلق دون الشفاه .
والمص عبارة عن عمل اللهاة . فعلى هذا لو كان في فمه شيء فحلف لا يأكل فابتلعه ينبغي أن لا يحنث . وفي فتاوى nindex.php?page=showalam&ids=11903أبي الليث ما يدل على أنه يحنث وهو الصواب .
إذ لا شك في أنه أكل إذا كان مما يمضغ على تفسيره بإيصال ما بحيث يمضغ إلى الجوف ، ولا شك أن قوله عمل الشفاه إنما يراد حركتها فهو في الكل ، ويلزم أن يحنث ببلع ما كان في فمه لأنه لا بد من حركة شفتيه ، وهذا لأنه لا يمكن أن يراد من عمل الشفاه هشمها . والحق أن الذوق عمل الفم لمجرد معرفة الطعم وصل إلى الجوف أو لا . قيل فكل أكل ذوق وليس كل ذوق أكلا فيكون بينهما عموم مطلق . ولا يخفى أن الأكل إذا كان إيصال ما بحيث يهشم لم يكن عمل الفم معتبرا في مفهومه . وإن كان قد يتحقق معه فقد لزم أن بينهما عموما من وجه فيجتمعان في إيصال ما هشم فإن الهشم عمل الفم : أعني الحنكين ، وينفرد الذوق فيما لم يوصل والأكل فيما ابتلع بلا مضغ مما بحيث يمضغ ولا يعرف طعمه إلا بالمضغ كقلب اللوز والجوز ، لكن في المحيط : حلف لا يذوق فأكل أو شرب يحنث ، ولو حلف لا يأكل أو لا يشرب لا يحنث بالذوق .
وما روى هشام : حلف لا يذوق فيمينه على الذوق حقيقة وهو أن لا يصل إلى جوفه إلا أن يتقدمه كلام يدل عليه نحو أن يقول تعالى تغد معي فحلف لا يذوق معه طعاما وشرابا ، فهذا على الأكل والشرب يدل على أن عدم الوصول إلى الجوف مفهوم من مفهوم الذوق ، فعلى هذا ينبغي أن لا يحنث بالأكل في الحلف على الذوق ، والذي يغلب ظنه أن مسألة المحيط يراد بها الأكل المقترن بالمضغ أو البلع لما لا يتوقف معرفة طعمه على المضغ ، لأنا نقطع بأن ابتلاع قلب لوزة لا يقال فيه ذاق اللوز ولا يحنث ببلعها ، وإذا حلف لا يأكل شيئا مما لا يتأتى فيه المضغ فخلطه بغيره مما يؤكل فأكله معه حنث ، ولو عنى بالذوق الأكل لم يصدق في القضاء .
قيل هذا إذا حلف بالعربية ، أما إذا حلف بالفارسية فإنه يحنث مطلقا وهو الصحيح لأن كلا من الأكل والشرب يسمى خردن ، فإذا قال نمى خرم بلا نية صدق عليهما فيحنث بكل منهما وهذا حق وعليه الفتوى ، ولو حلف لا يأكل هذا الرغيف فجففه ودقه ثم مرسه بالماء فشربه لا يحنث ، ولو أكله مبلولا حنث ، والسويق إذا شربه بالماء يكون شربا لا أكلا . فإن بله بالماء فأكله حنث ( قوله ومن حلف لا يأكل من هذه النخلة فهو على ثمرها ) بالمثلثة : أي ما يخرج منها لأنه أضاف [ ص: 118 ] اليمين إلى ما لا يؤكل ، ومثله لا يحلف على عدم أكله لأنه ممتنع الأكل قبل اليمين فيلغو الحلف فوجب لتصحيح كلام العاقل صرفها إلى ما يخرج منها تجوزا باسم السبب وهو النخلة في المسبب وهو الخارج لأنها سبب فيه لكن بلا تغير بصنع جديد ، فلا يحنث بالنبيذ والخل والناطف والدبس المطبوخ .
واحترز به عن غير المطبوخ وهو ما يسيل بنفسه من الرطب وهو الذي يسمى في عرفنا صقر الرطب فإنه يحنث بالرطب والتمر والبسر والرامخ والجمار والطلع وهذا لأن ما توقف على الصنعة ليس مما خرج مطلقا ولذا عطف عليه في قوله تعالى { ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم } وقيل لأن ما تحصل بالصنعة ليس مما خرج ابتداء من النخلة ، ومن ابتداء الغاية ، وكل ما يخرج على وجه الابتداء انعقد عليه يمينه . ولا يخفى أن " من " المذكورة في كلامه داخلة على النخلة تبعيضية لا ابتدائية ، نعم من المذكورة في التأويل : أعني قوله لا آكل مما يخرج من النخلة ابتدائية وهو غير مذكور وكأنه اعتبر كالمذكور ; ومثله حلف لا يأكل من هذا الكرم فهو على عنبه وحصرمه وزبيبه وعصيره .
وفي بعض المواضع دبسه والمراد عصيره فإنه ماء العنب وهو ما يخرج بلا صنع عند انتهاء نضج العنب ، ولأنه كان كامنا بين القشر ، بخلاف ما لو حلف لا يأكل من هذا العنب لا يحنث بزبيبه وعصيره لأن حقيقته ليست مهجورة فيتعلق الحلف بمسمى العنب ، ثم انصراف اليمين إلى ما يخرج في الحلف لا يأكل من الشجرة فيما إذا كان لها ثمرة ، فإن لم يكن لها ثمرة انعقدت على ثمنها فيحنث به : أي إذا اشترى به مأكولا .