[ ص: 224 ] فصل في كيفية إقامة الحد ) بعد ثبوت الحد تكون إقامته فذكر كيفيته ( قوله وإذا وجب الحد وكان الزاني محصنا ) هذا من الأحرف التي جاء الفاعل منها على مفعل بفتح العين ، يقول أحصن يحصن فهو محصن في ألفاظ معدودة هي أسهب فهو مسهب إذا طال وأمعن في الشيء ، ومنه قول المصنف في خطبة الكتاب معرضا عن هذا النوع من الإسهاب ، وقيل nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر : ادع الله لنا ، فقال : أكره أن أكون من المسهبين ، بفتح الهاء . وألفج بالفاء والجيم : افتقر فهو ملفج ، الفاعل والمفعول فيه سيان ، ويقال بكسرها أيضا إذا أفلس وعليه دين ( قوله رجمه بالحجارة حتى يموت ) عليه إجماع الصحابة ومن تقدم من علماء المسلمين ، وإنكار الخوارج الرجم باطل ; لأنهم إن أنكروا حجية إجماع الصحابة فجهل مركب بالدليل بل هو إجماع قطعي ، وإن أنكروا وقوعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنكارهم حجية خبر الواحد فهو بعد بطلانه بالدليل ليس مما نحن فيه ; لأن ثبوت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواتر المعنى كشجاعة nindex.php?page=showalam&ids=8علي وجود حاتم والآحاد في تفاصيل صوره وخصوصياته . أما أصل الرجم فلا شك فيه ، ولقد كوشف بهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه وكاشف بهم حيث قال : خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وروى أبو داود أنه خطب وقال : إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده . وإني خشيت أن يطول بالناس زمان فيقول قائل : لا نجد الرجم ، الحديث .
وأما ما في الترمذي من قوله { nindex.php?page=hadith&LINKID=83824فأمر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة } فإن لم يتأول على أنه اتبع حين هرب حتى أخرج إلى الحرة وإلا فهو غلط ; لأن الصحاح والحسان متظافرة على أنه إنما صار إليها هاربا لا أنه ذهب به إليها ابتداء ليرجم بها ، ولأن الرجم بين الجدران يوجب ضررا من بعض الناس لبعض للمضيق ( قوله ويبتدئ الشهود برجمه ثم الإمام ثم الناس ) وهذا شرط ، حتى لو امتنع الشهود عن الابتداء سقط الحد عن المشهود عليه ولا يحدون هم ; لأن امتناعهم ليس صريحا في رجوعهم . [ ص: 226 ] ولو كان ظاهرا فيه ففيه احتمال كونهم تضعف نفوسهم عن القتل وإن كان بحق كما تراه في المشاهد من امتناع بعض الناس من ذبح الحيوان الحلال للأكل والأضحية بل ومن حضورها ، فكان امتناعهم شبهة في درء الحد عن المشهود عليه ، وهذا الاحتمال شبهة في امتناع الحد عنهم . وقيل يحدون والأول رواية المبسوط . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ليس شرطا اعتبارا بالجلد : يعني إذا ثبت الحد بالشهادة على غير المحصن لا يشترط في إقامة الحد ابتداء الشهود . وأجاب المصنف بالفرق بأن الجلد لا يحسنه كل أحد ، فقد يقع لعدم الخبرة مهلكا وهو غير مستحق ، بخلاف الرجم فإن المقصود منه الإهلاك فلا يلزم من عدم اشتراط ابتدائهم بالجلد عدمه في الرجم ، وهذا دفع لإلحاقه .
وأما إثبات المذهب فبقول nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه بناء على وجوب تقليد الصحابي ، فإن قوله في ذلك ليس مما يدرك بالعقل معناه ليحمل على السماع ; لأنه علله بأن امتناعهم دلالة الرجوع ، فإن الشاهد ربما يتساهل في الأداء فعند مباشرة القتل يتعاظم ذلك فيندفع الحد بتحقق هذه الدلالة . وهذا هو قول المصنف ; لأنه دلالة الرجوع . وقول بعضهم : إنه شبهة الرجوع حقيقة والرجوع شبهة فاحتماله شبهة الشبهة وبها لا يندرئ الحد على ما عرف وسيأتي ، إنما يصح بناء على أن الامتناع من الابتداء ليس ظاهرا في الرجوع بل يحتمله احتمالا مرجوحا . فإن الغالب على الناس خور الطباع عن القتل حتى يمتنع كثير عن ذبح المباح كالأضحية والدجاجة فكيف بالأعلى ، فالامتناع عن قتله لا يكون ظاهرا في الرجوع ، بل ظاهر فيما هو الغالب وهو عدم قتل الإنسان فكان في الامتناع شبهة الرجوع لا دلالته ، وهو غلط ; لأنا لم نشترط الابتداء بقتله بل برميه ، حتى لو رماه بحصاة صغيرة حصل الشرط فامتناعه عن مثل ذلك دليل رجوعه ، لكنه دليل فيه شبهة فإنه أمارة لا يقطع بوجود المدلول معه فكان ثبوت الرجوع عند الامتناع فيه شبهة ، والرجوع الذي فيه شبهة رجوع بخلاف شبهة الرجوع واحتماله . لا يقال : احتمال الرجوع رجوع والرجوع شبهة ; لأن الثابت شبهة في الشهادة لا شبهة الشبهة فيها ، وحين لزم كون الثابت بالامتناع رجوعا فيه شبهة كان الثابت قذفا فيه شبهة ، بخلاف صريح الرجوع فإن به يظهر أن تلك الشهادة قذف بلا شبهة فيحد به هناك ولا يحد بدلالة الرجوع إذا لم تكن دلالة قطعية يوجد معها المدلول قطعا لثبوت الشبهة في القذف على ما ذكرنا .
وأما ثبوت ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه فما أخرج nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة رحمه الله قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16410عبد الله بن إدريس عن يزيد عن nindex.php?page=showalam&ids=16330عبد الرحمن بن أبي ليلى أن nindex.php?page=showalam&ids=8عليا كان إذا شهد عنده الشهود على الزنا أمر الشهود أن يرجموا ثم يرجم هو ثم يرجم الناس ، فإذا كان بإقرار بدأ هو فرجم ثم رجم الناس بعده . قال : وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11994أبو خالد الأحمر عن nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج عن nindex.php?page=showalam&ids=14112الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه قال : أيها الناس إن الزنا زناءان زنا السر ، وزنا العلانية ، فزنا السر أن يشهد الشهود فيكون الشهود أول من يرمي ثم الإمام ثم الناس ، وزنا العلانية أن يظهر الحبل أو الاعتراف فيكون الإمام أول من يرمي ، قال : وفي يده ثلاثة أحجار فرماها بحجر فأصاب صدغها فاستدارت ورمى الناس بعده ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسنده عن الشعبي قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=83825كان لشراحة زوج غائب بالشام وأنها حبلت ، فجاء بها مولاها إلى nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه فقال : إن هذه زنت ، فاعترفت فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وحفر لها إلى السرة وأنا شاهد ، ثم قال : الرجم سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان شهد على هذه أحد لكان أول من يرمي الشاهد يشهد ثم يتبع شهادته حجره ، ولكنها أقرت فأنا [ ص: 227 ] أول من يرميها فرماها بحجر ثم رماها الناس } . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن الأجلح عن الشعبي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، وفيه " أنه قال لها : لعله وقع عليك وأنت نائمة ، قالت لا ، قال : فلعله استكرهك ، قالت لا ، قال : فأمر بها فحبست ، فلما وضعت ما في بطنها أخرجها يوم الخميس فضربها مائة وحفر لها يوم الجمعة في الرحبة وأحاط الناس بها " الحديث وفيه أيضا " أنه صفهم ثلاث صفوف ثم رجمها ثم أمرهم فرجم صف ثم صف ثم صف " . وأورد أن إثبات اشتراط البداءة بهذا زيادة على النص بما هو دون خبر الواحد ، وإصلاح الإيراد أنه تقييد للقطعي المطلق فكان كتقييد مطلق الكتاب به .
والجواب أن الحكم القطعي هنا هو مجموع وجوب الرجم ودرئه بالشبهة ، فإذا دل دليل ظني على أن البداءة شرط لزم أن عدمها شبهة فيندرئ به الحد بحكم القطع بوجوب درء هذا الحكم القطعي بالشبهة ، وموت الشهود مسقط أو أحدهم ، وكذا إذا غابوا أو غاب أحدهم في ظاهر الرواية ، وهو احتراز عن رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أن بداءتهم مستحبة لا مستحقة ، فإذا امتنعوا أو غابوا أو ماتوا يقيم الحد ، وكذا يسقط الحد باعتراض ما يخرج عن أهلية الشهادة ، كما لو ارتد أحدهم أو عمي أو خرس أو فسق أو قذف فحد لا فرق في ذلك بين كونه قبل القضاء أو بعده قبل إقامة الحد ; لأن الإمضاء من القضاء في الحدود ، وهذا إذا كان محصنا . وفي غير المحصن قال الحاكم في الكافي : يقام عليه الحد في الموت والغيبة ، ولو كان أحدهم مقطوع اليدين أو مريضا لا يستطيع الرمي وحضروا يرمي القاضي ، ولو قطعت بعد الشهادة امتنعت الإقامة . وقد يقال : إذا كان شرطا ففوات الشرط كيف كان يمنع المشروط . وأيضا عجزهم بالضعيف ليس فوق عجزهم بالموت ، إلا أن شمس الأئمة فرق بأنهم إذا كانوا مقطوعي الأيدي لم تستحق البداءة بهم ، وأما هاهنا فقد استحقت ، فإذا تعذر بالموت أو الغيبة صار كما لو امتنعوا ، وهذا تقييد لشرطيته بكون الشهود قادرين على الرجم ، ولا شك أن المعنى المسقط
[ ص: 228 ] يجمعها . ومما يبطل الشهادة ويسقط الحد أن يعترف المشهود عليه بالزنا قبل القضاء بالاتفاق ، ولو اعترف بعد القضاء بالحد عن البينة مرة يسقطه nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف ; لأن سقوطه في الوجه الأول كان ; لأن شرط الشهادة عدم الإقرار ففات الشرط قبل العمل بها ، وقد علم أن الإمضاء من القضاء في الحدود فكان كالأول ، وخالف nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله