( ومن سكر من النبيذ حد ) [ ص: 306 ] لما روي أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أقام الحد على أعرابي سكر من النبيذ . وسنبين الكلام في حد السكر ومقدار حده المستحق عليه إن شاء الله تعالى .
. ( قوله ومن سكر من النبيذ حد ) فالحد إنما يتعلق في غير الخمر من الأنبذة بالسكر . وفي الخمر بشرب قطرة واحدة . وعند الأئمة الثلاثة كل ما أسكر كثيره حرم قليله وحد به لقوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=28821كل مسكر خمر } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . فهذان مطلوبان ، ويستدلون تارة بالقياس وتارة بالسماع . أما السماع فتارة بالاستدلال على أن اسم الخمر لغة [ ص: 306 ] لكل ما خامر العقل وتارة بغير ذلك .
فمن الأول ما في الصحيحين من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : " نزل تحريم الخمر وهي من خمسة العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير " . وما في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عنه عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=28821كل مسكر خمر وكل مسكر حرام } وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه nindex.php?page=showalam&ids=16360وعبد الرزاق { nindex.php?page=hadith&LINKID=67983وكل خمر حرام } وأما ما يقال من أن ابن معين طعن في هذا الحديث فلم يوجد في شيء من كتب الحديث ، وكيف له بذلك وقد روى الجماعة إلا nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=14161الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة } وفي الصحيحين من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر . وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : الخمر ما خامر العقل .
وإذا ثبت عموم الاسم ثبت تحريم هذه الأشربة بنص القرآن ووجوب الحد بالحديث الموجب ثبوته في الخمر لأنه مسمى الخمر ، لكن هذه كلها محمولة على التشبيه بحذف أداته فكل مسكر خمر ، كزيد أسد : أي في حكمه ، وكذا الخمر من هاتين أو من خمسة هو على الادعاء حين اتحد حكمها بها جاز تنزيلها منزلتها في الاستعمال ومثله كثير في الاستعمالات اللغوية والعرفية تقول السلطان هو فلان إذا كان فلان نافذ الكلمة عند السلطان ويعمل بكلامه أي المحرم لم يقتصر على ماء العنب بل كل ما كان مثله من كذا وكذا فهو هو لا يراد إلا الحكم ، ثم لا يلزم في التشبيه عموم وجهه في كل صفة ، فلا يلزم من هذه الأحاديث ثبوت الحد بالأشربة التي هي غير الخمر ، بل يصحح الحمل المذكور فيها ثبوت حرمتها في الجملة إما قليلها وكثيرها أو كثيرها المسكر منها . وكون التشبيه خلاف الأصل يجب المصير إليه عند الدليل عليه ، وهو أن الثابت في اللغة من تفسير الخمر بالنيء من ماء العنب إذا اشتد . وهذا ما لا يشك فيه من تتبع مواقع استعمالاتهم ، ولقد يطول الكلام بإيراده ، ويدل على أن الحمل المذكور على الخمر بطريق التشبيه قول nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما : حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء .
أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الصحيح . ومعلوم أنه إنما أراد ماء العنب لثبوت أنه كان بالمدينة غيرها لما ثبت من قول nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : وما شرابهم يومئذ : أي يوم حرمت إلا الفضيخ البسر والتمر . فعرف أن ما أطلق هو وغيره من الحمل لغيرها عليها بهو هو كان على وجه التشبيه . وأما الاستدلال بغير عموم الاسم لغة فمن ذلك ما روى أبو داود والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عنه عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=28821كل مسكر حرام ، وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام } وفي لفظ للترمذي { nindex.php?page=hadith&LINKID=23919فالحسوة منه حرام } قال الترمذي حديث حسن ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه . وأجود حديث في هذا الباب حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص { nindex.php?page=hadith&LINKID=83888أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن قليل ما أسكر كثيره } أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري : لأنه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16992محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وهو أحد الثقات عن nindex.php?page=showalam&ids=15498الوليد بن كثير ، وقد احتج به الشيخان عن الضحاك بن عثمان ، وقد احتج به nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=15562بكير بن عبد الله بن الأشج عن nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر بن سعد بن أبي وقاص ، وقد احتج بهما الشيخان ، وحينئذ فجوابهم بعدم ثبوت هذه غير صحيح ، وكذا حمله على ما به حصل السكر وهو القدح الأخير لأن صريح هذه الروايات القليل . وما أسند إلى nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود " كل مسكر حرام " قال : هي الشربة [ ص: 307 ] التي أسكرتك . أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، ضعيف فيه nindex.php?page=showalam&ids=15689الحجاج بن أرطاة وعمار بن مطر ، قال : وإنما هو من قول إبراهيم : يعني النخعي . وأسند إلى nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك أنه ذكر له حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود هذا فقال : حديث باطل على أنه لو حسن عارضه ما تقدم من المرفوعات الصريحة الصحيحة في تحريم قليل ما أسكر كثيره ، ولو عارضه كان المحرم مقدما . وما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من قوله : حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب فإنه لم يسلم .
نعم هو من طريق جيدة هي عن أبي عون عن ابن شداد عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : حرمت الخمر بعينها والمسكر من كل شراب . وفي لفظ : وما أسكر من كل شراب . قال : وهذا أولى بالصواب من حديث ابن شبرمة فهذا إنما فيه تحريم الشراب المسكر ، وإذا كانت طريقه أقوى وجب أن يكون هو المعتبر ، ولفظ السكر تصحيف ، ثم لو ثبت ترجح المنع السابق عليه ، بل هذا الترجيح في حق ثبوت الحرمة ولا يستلزم ثبوت الحرمة ثبوت الحد بالقليل إلا بسماع أو بقياس فهم يقيسونه بجامع كونه مسكرا ، ولأصحابنا فيه منع خصوصا وعموما . أما خصوصا فمنعوا أن حرمة الخمر معللة بالإسكار وذكروا عنه عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=83889حرمت الخمر بعينها والسكر } إلخ . وفيه ما علمت .
ثم قوله بعينها ليس معناه أن علة الحرمة عينها ، بل إن عينها حرمت ، ولذا قال في الحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=83890قليلها وكثيرها } والرواية المعروفة فيه بالباء لا باللام ، ولو كان المراد ما ذكرنا وهذا هو مراد المصنف بما ذكر في الأشربة من نفي تعليلها بالإسكار لأنه لم يذكره إلا لنفي أن حرمتها مقيدة بإسكارها : أي لو كانت العلة الإسكار لم يثبت تحريم حتى تثبت العلة وهي الإسكار أو مظنته من الكثير ، لا أن حرمتها ليست معللة أصلا بل هي معللة بأنه رقيق ملذ مطرب يدعو قليله إلى كثيره وإن كان nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري مصرا على منع التعليل أصلا . ونقض رحمه الله هذه العلة بأن الطعام الذي يضر كثيره لا يحرم قليله وإن كان يدعو إلى كثيره ، لكن المصنف ذكر في كتاب الأشربة ما يفيد ما ذكرنا ، فإنه قال في جواب إلحاق nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي حرمة المثلث العنبي بالخمر .
وإنما يحرم قليله لأنه يدعو إلى كثيره لرقته ولطافته ، والمثلث لغلظه لا يدعو وهو في نفسه غذاء ، ولا يخفى بعد هذا أن اعتبار دعاية القليل إلى الكثير في الحرمة ليس إلا لحرمة السكر . ففي التحقيق الإسكار هو المحرم بأبلغ الوجوه لأنه الموقع للعداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وإتيان المفاسد من القتل وغيره . كما أشار النص إلى عليتها ، ولكن على تقدير ثبوت الحرمة بالقياس لا يثبت الحد لأن الحد لا يثبت بالقياس عندهم ، وهو ما ذكرنا من المنع على العموم ، وإذن فلم يثبت الحد بمجرد الشرب من غير الخمر ، ولكن ثبت بالسكر منه بأحاديث منها ما قدمناه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة { nindex.php?page=hadith&LINKID=83891فإذا سكر فاجلدوه } الحديث . فلو ثبت به حل ما لم يسكر لكان بمفهوم الشرط وهو منتف عندهم فموجبه ليس إلا ثبوت الحد بالسكر ، ثم يجب أن يحمل على السكر من غير الخمر لأن حمله على الأعم من الخمر ينفي فائدة التقييد بالسكر . لأن في الخمر يحد بالقليل منها بل يوهم عدم التقييد بغيرها لأنه لا يحد منها حتى يسكر ، وإذا وجب حمله على غيرها صار الحد منتفيا عند عدم السكر به بالأصل حتى يثبت ما يخرجه عنه .
ومنها ما روى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في سننه : أن أعرابيا شرب من إداوة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر نبيذا فسكر به فضربه الحد ، فقال الأعرابي : إنما شربته من إداوتك ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : إنما جلدناك على السكر . وهو ضعيف بسعيد بن ذي لعوة ضعف وفيه جهالة .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16637علي بن مسهر عن nindex.php?page=showalam&ids=11814الشيباني عن حسان بن مخارق قال : بلغني أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ساير رجلا [ ص: 308 ] في سفر وكان صائما ، فلما أفطر أهوى إلى قربة nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر معلقة فيها نبيذ فشربه فسكر فضربه nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الحد ، فقال : إنما شربته من قربتك ، فقال له nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : إنا جلدنا لسكرك . وفيه بلاغ وهو عندي انقطاع . وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن عمران بن داور عن خالد بن دينار عن nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر { nindex.php?page=hadith&LINKID=66555أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد سكر من نبيذ تمر فجلده } وعمران بن داور بفتح الواو فيه مقال . وروى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في سننه عن nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن شريك عن فراس عن الشعبي أن رجلا شرب من إداوة nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه بصفين فسكر فضربه الحد .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16354عبد الرحيم بن سليمان عن nindex.php?page=showalam&ids=16878مجالد عن الشعبي عن علي بنحوه ، وقال : فضربه ثمانين . وروى nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة : حدثنا عبد الله بن نمير عن nindex.php?page=showalam&ids=14078حجاج عن أبي عون عن nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : في السكر من النبيذ ثمانون . فهذه وإن ضعف بعضها فتعدد الطرق ترقيه إلى الحسن ، مع أن الإجماع على الحد بالكثير فإن الخلاف إنما هو في الحد بالقليل ، غير أن هذه الأدلة كما ترى لا تفصل بين نبيذ ونبيذ