والمصنف قيد وجوب الحد بقوله ( ولا يحد السكران حتى يعلم أنه سكر من النبيذ وشربه طوعا لأن السكر من المباح لا يوجب الحد ) فقد ذكروا أن ما يتخذ من الحبوب كلها والعسل يحل شربه عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : يعني إذا شرب منها من غير لهو ولا طرب فلا يحد بالسكر منها عنده .
ولا يقع طلاقه إذا طلق وهو سكران منها كالنائم ، إلا أن المصنف في كتاب الأشربة قال : وهل يحد في المتخذ من الحبوب إذا سكر منه ؟ قيل لا يحد . وقد ذكرنا الوجه من قبل ، قالوا : الأصح أنه يحد ، فإنه روى عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد فيمن سكر من الأشربة أنه يحد من غير تفصيل ، وهذا لأن الفساق يجتمعون عليه اجتماعهم على سائر الأشربة بل فوق ذلك ، وكذلك المتخذ من الألبان إذا اشتد فهو على هذا ا هـ . وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد ، فقد صرح بأن إطلاق قوله هنا لأن السكر من المباح لا يوجب حدا غير المختار ، ورواية عبد العزيز عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وسفيان أنهما سئلا فيمن شرب البنج فارتفع إلى رأسه وطلق امرأته هل يقع ؟ قالا : إن كان يعلمه حين شربه ما هو يقع ( قوله ولا حد على من وجد به ريح الخمر أو تقيأها لأن الرائحة محتملة ) فلا يثبت بالاحتمال ما يندرئ بالشبهات ( وكذا الشرب قد يكون عن إكراه ) فوجود عينها في القيء لا يدل على الطواعية ، فلو وجب [ ص: 309 ] الحد وجب بلا موجب ، وأورد عليه أنه قال من قريب ، والتمييز بين الروائح ممكن للمستدل فقطع الاحتمال وهنا عكس .
قال المورد : وتكلف بعضهم في توجيهه ، يريد به صاحب النهاية بأن الاحتمال في نفس الروائح قبل الاستدلال والتمييز بعد الاستدلال على وجه الاستقصاء . قال : ولقائل أن يقول إذا كان التمييز يحصل بالاستدلال فإذا استدل على الوجه المذكور في هذه الصورة يرتفع الاحتمال في الرائحة فينبغي أن يحد حينئذ ولم يقل به أحد ، ونقل أيضا عنه أن التمييز لمن يعاينه ، ونظر فيه بأن من عاين الشرب يبني على يقين لا على استدلال وتخمين ، وصاحب الهداية أثبت التمييز في صورة الاستدلال لا في صورة العيان ا هـ .
فبقي الإشكال بحاله . ولا يخفى أن المراد معاينة الشرب والاستدلال لا ينافيه لأن المشروب جاز كونه غير الخمر فيستدل على أنه خمر بالرائحة فكون المصنف جعل التمييز يفيده الاستدلال لا ينافي حالة العيان ، أي عيان الشرب ، ثم لا شك أن كون الشيء محتملا لا ينافي أن يستدل عليه بقرائن بحيث يحكم به مع شبهة ما ، فلا ملازمة بين الاحتمال وعدم الاستدلال عليه ، بل جاز أن يثبت الاستدلال مع ثبوت ضرب من الاحتمال فلا يصح قوله أنه قطع الاحتمال حيث ذكر أنه يمكن التمييز بالاستدلال ، ولا شك أن المنظور إليه والمقصود في الموضعين ثبوت طريق الدرء ، أما الموضع الثاني وهو عدم الحد بوجود الرائحة والتقيؤ فظاهر ، وطريقه أنه لو ثبت الحد لكان مع شبهة عدمه لأن الرائحة محتملة وإن استدل عليها فإن فيها مع الدليل شبهة قوية فلا يثبت الحد معها ، وأما في الموضع الأول فلا شك أن في إثبات اشتراط عدم التقادم لقبول البينة والإقرار درءا كثيرا واسعا ، ولا يمكن إثبات هذا الطريق الكائن للدرء إلا باعتبار إمكان تمييز رائحة الخمر من غيرها ، فحكم باعتبار التمييز بالاجتهاد في الاستدلال وإن كان ملزوما لشبهة النفي ليتمكن من تحصيل هذا الطريق الواسع للدرء ، لأنه لو لم يعتبر التمييز مع ما فيه من شبهة لكان الشهادة والإقرار معمولا بهما في أزمنة كثيرة متأخرة بلا رائحة فيقام بذلك ما لا يحصى من الحدود .
وحين اشترط ذلك وضحت طريقه مع الشبهة والاحتمال ، فظهر أن كلا صحيح في موضعه فدرء الحد في مجرد الرائحة والقيء للاحتمال وردت الشهادة بلا رائحة ، إذ لا يمكن التمييز إلا مع الاحتمال ( قوله ولا يحد ) السكران ( حتى يزول عنه السكر تحصيلا لمقصود الانزجار ) وهذا بإجماع الأئمة الأربعة ، لأن غيبوبة العقل وغلبة الطرب والشرح يخفف الألم ، حتى حكي لي أن بعض المتصابين استدعوا إنسانا ليضحكوا عليه به أخلاط ثقيلة لزجة بركبتيه لا يقلهما إلا بكلفة ومشقة ، فلما غلب على عقله ادعى القوة والإقدام ، فقال له بعض الحاضرين ممازحا ليس بصحيح وإلا فضع هذه الجمرة على ركبتك ، فأقدم ووضعها حتى أكلت ما هناك [ ص: 310 ] من لحمه وهو لا يلتفت حتى طفئت أو أزالها بعض الحاضرين الشك مني فلما أفاق وجد ما به من جراحة النار البالغة وورمت ركبته ومكث بها مدة إلى أن برأت ، فعادت بذلك الكي البالغ في غاية الصحة والنظافة من الأخلاط وصار يقول : يا ليتها كانت في الركبتين ، ثم لم يستطع أصلا في حال صحوه أن يفعل مثل ذلك بالأخرى ليستريح من ألمها ومنظرها .
وإذا كان كذلك فلا يفيد الحد فائدته إلا حال الصحو وتأخير الحد لعذر جائز