قال ( ونصبوا عليهم المجانيق ) كما نصب رسول الله عليه الصلاة والسلام على الطائف ( وحرقوهم ) لأنه عليه الصلاة والسلام أحرق البويرة .
قال ( وأرسلوا عليهم الماء وقطعوا أشجارهم وأفسدوا زروعهم ) لأن في جميع ذلك إلحاق الكبت والغيظ بهم وكسرة شوكتهم وتفريق جمعهم فيكون مشروعا ، ( ولا بأس برميهم ، وإن كان فيهم مسلم أسير أو تاجر ) لأن في الرمي دفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام ، وقتل الأسير والتاجر ضرر خاص ، [ ص: 448 ] ولأنه قلما يخلو حصن عن مسلم ، فلو امتنع باعتباره لانسد بابه ( وإن تترسوا بصبيان المسلمين أو بالأسارى لم يكفوا عن رميهم ) لما بيناه ( ويقصدون بالرمي الكفار ) لأنه إن تعذر التمييز فعلا فلقد أمكن قصدا ، والطاعة بحسب الطاقة ، وما أصابوه منهم لا دية عليهم ولا كفارة لأن الجهاد فرض والغرامات لا تقرن بالفروض . [ ص: 449 ] بخلاف حالة المخمصة لأنه لا يمتنع مخافة الضمان لما فيه من إحياء نفسه .
أما الجهاد فمبني على إتلاف النفس فيمتنع حذار الضمان
ولأن المقصود كبت أعداء الله وكسر شوكتهم وبذلك يحصل ذلك فيفعلون ما يمكنهم من التحريق وقطع الأشجار وإفساد الزرع ، هذا إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك ، فإن كان الظاهر أنهم مغلوبون وأن الفتح باد كره ذلك لأنه إفساد في غير محل الحاجة وما أبيح إلا لها ( قوله ولا بأس برميهم وإن كان فيهم مسلم أسير أو تاجر ) بل ولو تترسوا بأسارى المسلمين وصبيانهم سواء علم أنهم إن كفوا عن رميهم انهزم المسلمون أو لم يعلموا ذلك إلا أنه لا يقصد برميهم إلا الكفار .
فإن أصيب أحد من المسلمين فلا دية ولا كفارة ، وعند الأئمة الثلاثة لا يجوز [ ص: 448 ] رميهم في صورة التترس إلا إذا كان في الكف عن رميهم في هذه الحالة انهزام المسلمين ، وهو قول الحسن بن زياد ، فإن رموا وأصيب أحد من المسلمين فعند nindex.php?page=showalam&ids=14111الحسن بن زياد فيه الدية والكفارة ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فيه الكفارة قولا واحدا ، وفي الدية قولان . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق : إن قصده بعينه لزمه الدية علمه مسلما أو لم يعلمه لقوله عليه الصلاة والسلام { ليس في الإسلام دم مفرج } وإن لم يقصده بعينه بل رمى إلى الصف فأصيب فلا دية عليه . وأما الأول فلأن الإقدام على قتل المسلم حرام ، وترك قتل الكافر جائز ; ألا ترى أن للإمام أن لا يقتل الأسارى لمنفعة المسلمين فكان تركه لعدم قتل المسلم أولى ، ولأن مفسدة قتل المسلم فوق مصلحة قتل الكافر .
وجه الإطلاق أمران [ ص: 449 ] الأول أنا أمرنا بقتالهم مطلقا ، ولو اعتبر هذا المعنى انسد بابه ، لأن حصنا ما أو مدينة قلما تخلو عن أسر مسلم فلزم من افتراض القتال مع الواقع من عدم خلو مدينة أو حصن عادة إهدار اعتبار وجوده فيه ، وصار كرميهم مع العلم بوجود أولادهم ونسائهم فإنه يجوز إجماعا مع العلم بوجود من لا يحل قتله فيهم واحتمال قتله وهو الجامع ، غير أن الواجب أن لا يقصد بالرمي إلا الكافر لأن قصد المسلم بالقتل حرام ، بخلاف ما إذا لم يفترض وهو ما إذا فتحت البلدة . قال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : إذا فتح الإمام بلدة ومعلوم أن فيها مسلما أو ذميا لا يحل قتل أحد منهم لاحتمال كونه ذلك المسلم أو الذمي ، إلا أنه قال : ولو أخرج واحدا من عرض الناس حل إذن قتل الباقي لجواز كون المخرج هو ذاك فصار في كون المسلم في الباقين شك ، بخلاف الحالة الأولى فإن كون المسلم أو الذمي فيهم معلوم بالفرض فوقع الفرق الثاني أن فيه دفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام بإثبات الضرر الخاص وهو واجب ، ثم إن المصنف أحال وجه مسألة التترس على وجهي مسألة ما إذا كان فيهم أسير مسلم حينئذ أو تاجر .
وقد يقال إن سلم أنه لا يخلو أهل حصن عن تاجر أو أسير ، فإطلاق افتراض القتال إهدار لاعتباره مانعا فلا نسلم أنه لا يخلو أهل حصن أن يتترسوا بالمسلمين ليكون إطلاق الافتراض إهدارا لحرمة الرمي ، فإن المشاهدة نفته فوجب أن يتقيد بما إذا لم يكن طريقا إلى قتل المسلم غالبا . وأما قوله إنه دفع الضرر العام بإلحاق الضرر الخاص فقد يقال إن ذلك عند العلم بانهزام المسلمين لو لم يرم وحل الرمي عند ذلك لم يتقيد به . واعلم أن المراد أن كل قتال مع الكفار هو دفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام : أي مجتمعهم ، وإن لم يحصل فيه الظفر تضرر المسلمون كلهم وهو محل تأمل ، وبتقديره هو ضرر خفيف أشد منه قتل المسلم في غالب الظن ، وإنما يكون الضرر العام مقدما على هذا إذا كان فيه هزيمتهم ونحوها . فإن قيل : فلم لم يغرم الدية إذا أصيب مسلم مع قوله عليه الصلاة والسلام { ليس في الإسلام دم مفرج } أي مهدر .
أجيب بأنه عام مخصوص بالبغاة وقطاع الطريق وغيرهم فجاز تخصيصه بالمعنى ، وهو ما ذكر من قوله لأن الفروض لا تقرن بالغرامات كما ذكرنا فيما لو مات من عزره القاضي أو حده أنه لا دية فيه لأن القضاء بذلك فرض عليه فلا يتقيد بشرط السلامة وإلا امتنع عن الإقامة ( بخلاف ) المضطر ( حالة المخمصة لأنه لا يمتنع ) عن الأكل ( مخافة الضمان ) لأن في الامتناع هلاك نفسه والضمان أخف عليه من هلاكها فلا تمتنع ( أما الجهاد فمبني على إتلاف نفسه فيمتنع حذاره ) واعلم أن المذهب عندنا في المضطر أنه لا يجب عليه أكل مال الغير مع الضمان [ ص: 450 ] فلم يكن فرضا ، فهو كالمباح يتقيد بشرط السلامة كالمرور في الطريق فلا حاجة إلى الفرق بينه وبين افتراض الجهاد في نفي الضمان