[ ص: 473 ] قال ( وهو في الأسارى بالخيار إن شاء قتلهم ) { لأنه عليه الصلاة والسلام قد قتل } ، ولأن فيه حسم مادة الفساد ( وإن شاء استرقهم ) لأن فيها دفع شرهم مع وفور المنفعة لأهل الإسلام ( وإن شاء تركهم أحرارا ذمة للمسلمين ) لما بيناه ( إلا مشركي العرب والمرتدين ) [ ص: 474 ] على ما نبين إن شاء الله تعالى ( ولا يجوز أن يردهم إلى دار الحرب ) لأن فيه تقويتهم على المسلمين ، فإن أسلموا لا يقتلهم لاندفاع الشر بدونه ( وله أن يسترقهم ) توفيرا للمنفعة بعد انعقاد سبب الملك بخلاف إسلامهم قبل الأخذ ; لأنه لم ينعقد السبب بعد ( ولا يفادى بالأسارى عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وقالا : يفادى بهم أسارى المسلمين ) وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لأن فيه تخليص المسلم وهو أولى من قتل الكافر والانتفاع به . وله أن فيه معونة للكفرة ; لأنه يعود حربا علينا ، ودفع شر حربه خير من استنقاذ الأسير المسلم ; لأنه إذا بقي في أيديهم كان ابتلاء في حقه غير مضاف إلينا ، والإعانة بدفع أسيرهم إليهم مضاف إلينا . [ ص: 475 ] أما المفاداة بمال يأخذه منهم لا يجوز في المشهور من المذهب لما بينا . وفي السير الكبير أنه لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة استدلا بأسارى بدر ، ولو كان أسلم الأسير في أيدينا لا يفادى بمسلم أسير في أيديهم لأنه لا يفيد إلا إذا طابت نفسه به وهو مأمون على إسلامه . قال ( ولا يجوز المن عليهم ) أي على الأسارى خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي فإنه يقول { nindex.php?page=hadith&LINKID=84034من رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض الأسارى يوم بدر . ولنا قوله تعالى { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } } ولأنه بالأسر والقسر ثبت حق الاسترقاق فيه [ ص: 476 ] فلا يجوز إسقاطه بغير منفعة وعوض ، وما رواه منسوخ بما تلونا
( قوله وهو في الأسارى بالخيار إن شاء قتلهم ) يعني إذا لم يسلموا ( لأنه عليه الصلاة والسلام قد قتل ) من الأسارى إذا لا شك في قتله عقبة بن أبي معيط من أسارى بدر والنضر بن الحارث الذي قالت فيه أخته قتيلة الأبيات التي منها :
يا راكبا إن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق أبلغ بها ميتا فإن تحية ما إن تزل بها الركائب تخفق مني إليك وعبرة مسفوحة جادت بواكفها وأخرى تخنق ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق الأبيات
وطعيمة بن عدي وهو أخو المطعم بن عدي .
وأما ما قال nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم إنه قتل المطعم بن عدي فغلط بلا شك وكيف وهو عليه الصلاة والسلام يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=84035لو كان المطعم بن عدي حيا لشفعته في هؤلاء النتنى } ( ولأن في قتلهم حسم مادة الفساد ) الكائن منهم بالكلية ( وإن شاء استرقهم لأن فيه دفع شرهم مع وفور المصلحة لأهل الإسلام ) ولهذا قلنا : ليس لواحد من الغزاة أن يقتل أسيرا بنفسه لأن الرأي فيه إلى الإمام فقد يرى مصلحة المسلمين في استرقاقه فليس له أن يفتات عليه ، وعلى هذا فلو قتل بلا ملجئ بأن خاف القاتل شر الأسير كان له أن يعزره إذا وقع على خلاف مقصوده ولكن لا يضمن بقتله شيئا ( وإن شاء تركهم أحرار ذمة للمسلمين لما بينا ) من أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فعل ذلك في أهل السواد . وقوله ( إلا مشركي العرب والمرتدين ) يعني إذا أسروا فإن الكلام في الأسارى ، ويتحقق الأسر [ ص: 474 ] في المرتدين إذا غلبوا وصاروا حربا ( على ما نبين إن شاء الله تعالى ) في باب الجزية من أنه لا تقبل منهم جزية ولا يجوز استرقاقهم بل إما الإسلام أو السيف ( فإن أسلم الأسارى ) بعد الأسر ( لا يقتلهم ) لأن الغرض من قتلهم دفع شرهم وقد اندفع بالإسلام ، ولكن يجوز استرقاقهم لأن الإسلام لا ينافي الرق جزاء على الكفر الأصلي وقد وجد بعد انعقاد سبب الملك وهو الاستيلاء على الحربي غير المشترك من العرب ( بخلاف ما لو أسلموا قبل الأخذ ) لا يسترقون ويكونون أحرارا ; لأنه إسلام قبل انعقاد سبب الملك فيهم ( قوله ولا يفادي بالأسارى عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ) هذه إحدى الروايتين عنه ، وعليها مشى nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري وصاحب الهداية .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه يفادي بهم كقول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد إلا بالنساء فإنه لا تجوز المفاداة بهن عندهم ، ومنع nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد المفاداة بصبيانهم ، وروي أنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك ، وهذه رواية السير الكبير .
قيل : وهو أظهر الروايتين عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : تجوز المفاداة بالأسارى قبل القسمة لا بعدها ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد تجوز بكل حال .
قلنا : لو سلم فلا شك أنه يجب تقييده بما إذا لم يضر بالمسلمين من غير حاجة ، وفي رده تكثير المحاربين لغرض دنيوي . وفي الكشاف وغيره أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه كان أشار بقتلهم . وأبو بكر بأخذ الفداء تقويا ورجاء أن يسلموا .
ولا يخفى على من له أدنى بصر بالكلام أن التركيب إخبار بأنه لو كلمه لتركهم وصدقه واجب وهو بأن يكون المن جائزا فقد أخبر بأنه يطلقهم لو سأله إياهم ، والإطلاق على ذلك التقدير لا يثبت منه إلا وهو جائز شرعا ، وكونه لم يقع لعدم وقوع ما علق عليه ، لا ينفي جوازه شرعا وهو المطلوب .
وأجاب المصنف بأنه منسوخ بقوله تعالى { اقتلوا المشركين } من سورة براءة فإنها تقتضي عدم جواز المن وهي آخر سورة نزلت في هذا الشأن ، وقصة بدر كانت سابقة عليها .
وقد يقال إن ذلك في حق غير الأسارى بدليل جواز الاسترقاق ، فيه يعلم أن القتل المأمور حتما في حق غيرهم