قال ( ويؤخذ أهل الذمة بالتميز عن المسلمين في زيهم ومراكبهم وسروجهم وقلانسهم فلا يركبون الخيل ولا يعملون بالسلاح . وفي الجامع الصغير : ويؤخذ أهل الذمة بإظهار الكستيجات والركوب على السروج التي هي كهيئة الأكف ) وإنما يؤخذون بذلك إظهارا للصغار عليهم وصيانة لضعفة المسلمين ; ولأن المسلم يكرم ، والذمي يهان ، ولا يبتدأ بالسلام ويضيق عليه الطريق ، فلو لم تكن [ ص: 61 ] علامة مميزة فلعله يعامل معاملة المسلمين وذلك لا يجوز ; والعلامة يجب أن تكون خيطا غليظا من الصوف يشده على وسطه دون الزنار من الإبريسم فإنه جفاء في حق أهل الإسلام . ويجب أن يتميز نساؤهم عن نسائنا في الطرقات والحمامات ، ويجعل على دورهم علامات كي لا يقف عليها سائل يدعو لهم بالمغفرة .
قالوا : الأحق أن لا يتركوا أن يركبوا إلا للضرورة . وإذا ركبوا للضرورة فلينزلوا في مجامع المسلمين ، فإن لزمت الضرورة اتخذوا سروجا [ ص: 62 ] بالصفة التي تقدمت ، ويمنعون من لباس يختص به أهل العلم والزهد والشرف .
( قوله : وتؤخذ أهل الذمة بالتميز عن المسلمين في زيهم ) نفسهم ( وفي مراكبهم وسروجهم وقلانسهم ) وحاصل هذا أن أهل الذمة لما كانوا مخالطين لأهل الإسلام فلا بد مما يتميز به المسلم من الكافر كي لا يعامل معاملة المسلم في التوقير والإجلال وذلك لا يجوز ، وربما يموت أحدهم فجأة في الطريق ولا يعرف فيصلى عليه بخلاف يهود المدينة لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بذلك ; لأنهم كانوا معروفين بأعيانهم لجميع أهل المدينة ولم يكن لهم زي عال على المسلمين ، وإذا وجب التميز وجب أن يكون بما فيه صغار لا إعزاز ; لأن إذلالهم لازم بغير أذى من ضرب أو صفع بلا سبب يكون منه ، بل المراد اتصافه بهيئة وضيعة ولذا أمروا ( بالكستيجات ) وهو خيط في غلظ الأصبع من الصوف يشده فوق [ ص: 61 ] ثيابه دون الزنار من الإبريسم ( لأن فيه جفاء بالمسلمين ) أي إغلاظا عليهم فهو من حسن العشرة معهم ولدفع الضرر عن ضعفة المسلمين في الدين فربما يمرقون بجهلهم فيقولون الكفار أحسن حالا منا فإنهم في خفض عيش ونعمة ونحن في كد وتعب ، وإليه أشار بقوله تعالى : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون } تنبيها على خسة الدنيا عند الله عز وجل ، وإذا منع من شد زنار وهو حاشية رقيقة من الإبريسم فمنعهم من لباس الثياب الفاخرة التي تعد عند المسلمين فاخرة سواء كانت حريرا أو غيره كالصوف المربع والجوخ الرفيع والأبراد الرقيقة أولى .
ولا شك في وقوع خلاف هذا في هذه الديار ، ولا شك في منع استكتابهم وإدخالهم في المباشرة التي يكون بها معظما عند المسلمين ، بل ربما يقف بعض المسلمين خدمة له خوفا من أن يتغير خاطره منه فيسعى به عند مستكتبه سعاية توجب له منه الضرر ، وكذا يؤخذون بالركوب على سروج فوق الحمر كهيئة الأكف أو قريبا منه ، ولا يركبون الخيل . بل اختار المتأخرون أن لا يركبوا أصلا إلا إذا خرجوا إلى أرض قرية ونحوه أو كان مريضا : أي إلا أن تلزم الضرورة فيركب ثم ينزل في مجامع المسلمين إذا مر بهم ولا يحملون السلاح ويضيق عليهم الطريق ولا يبدأ بالسلام ، ويرد عليه بقوله وعليكم فقط . وإذا عرف أن المقصود العلامة فلا يتعين ما ذكر ، بل يعتبر في كل بلد ما يتعارفه أهله ، وفي بلادنا جعلت العلامة في العمامة فألزموا النصارى العمامة الزرقاء واليهود العمامة الصفراء واختص المسلمون بالبيضاء ، وكذا تؤخذ نساؤهم بالزي في الطرق فيجعل على ملاءة اليهودية خرقة صفراء وعلى النصرانية زرقاء ، وكذا في الحمامات ، وكذا تميز دورهم [ ص: 62 ] عن دور المسلمين كي لا يقف سائل فيدعو لهم بالمغفرة أو يعاملهم بالتضرع كما يتضرع للمسلمين ( ويمنعون من لباس يخص أهل العلم والزهد والشرف ) وتجعل مكاعبهم خشنة فاسدة اللون ، ولا يلبسوا طيالسة كطيالسة المسلمين ولا أردية كأرديتهم ، هكذا أمروا واتفقت الصحابة على ذلك .