( باب البغاة ) قدم أحكام قتال الكفار ثم أعقبه بقتال المسلمين ، والوجه ظاهر . والبغاة جمع باغ ، وهذا الوزن مطرد في كل اسم فاعل معتل اللام كغزاة ورماة وقضاة . والبغي في اللغة : الطلب ، بغيت كذا : أي طلبته ، قال تعالى حكاية ذلك { ما كنا نبغ } ثم اشتهر في العرف في طلب ما لا يحل من الجور والظلم . والباغي في عرف الفقهاء : الخارج عن طاعة إمام الحق . والخارجون عن طاعته أربعة أصناف : أحدها الخارجون بلا تأويل بمنعة وبلا منعة يأخذون أموال الناس ويقتلونهم ويخيفون الطريق وهم قطاع الطريق . والثاني قوم كذلك إلا أنهم لا منعة لهم [ ص: 100 ] لكن لهم تأويل ، فحكمهم حكم قطاع الطريق ، إن قتلوا قتلوا وصلبوا ، وإن أخذوا مال المسلمين قطعت أيديهم وأرجلهم على ما عرف . والثالث قوم لهم منعة وحمية خرجوا عليه بتأويل يرون أنه على باطل كفر أو معصية يوجب قتاله بتأويلهم ، وهؤلاء يسمون بالخوارج يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويسبون نساءهم ويكفرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وحكمهم عند جمهور الفقهاء وجمهور أهل الحديث حكم البغاة .
وهو قول الحضرمي : دخلت مسجد الكوفة من قبل أبواب كندة ، فإذا نفر خمسة يشتمون nindex.php?page=showalam&ids=8عليا رضي الله عنه وفيهم رجل عليه برنس يقول : أعاهد الله لأقتلنه ، فتعلقت به وتفرقت أصحابه عنه ، فأتيت به nindex.php?page=showalam&ids=8عليا رضي الله عنه فقلت : إني سمعت هذا يعاهد الله ليقتلنك ، فقال : ادن ويحك من أنت ؟ فقال : أنا سوار المنقري ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه : خل عنه ، فقلت أخلي عنه وقد عاهد الله ليقتلنك ؟ قال : أفأقتله ولم يقتلني ؟ قلت : فإنه قد شتمك ، قال : فاشتمه إن شئت أو دعه . ففي هذا دليل على أن ما لم يكن للخارجين منعة لا نقتلهم ، وأنهم ليسوا كفارا لا بشتم علي ولا بقتله . قيل إلا إذا استحله ، فإن من استحل قتل مسلم فهو كافر ، ولا بد من تقييده بأن لا يكون القتل بغير حق أو عن تأويل واجتهاد يؤديه إلى الحكم بحله ، بخلاف المستحل بلا تأويل ، وإلا لزم تكفيرهم ; لأن الخوارج يستحلون القتل بتأويلهم الباطل ، ومما يدل على عدم تكفيرهم ما ذكره محمد أيضا حيث قال : وبلغنا عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أنه بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ حكمت الخوارج من ناحية المسجد ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه : كلمة حق أريد بها باطل ، لن نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولن نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولن نقاتلكم حتى تقاتلونا ، ثم أخذ في خطبته . ومعنى قوله حكمت الخوارج نداؤهم بقولهم الحكم لله ، وكانوا يتكلمون بذلك إذا أخذ nindex.php?page=showalam&ids=8علي في الخطبة ليشوشوا خاطره ، فإنهم كانوا يقصدون بذلك نسبته إلى الكفر لرضاه بالتحكيم في صفين ، ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه : كلمة حق أريد بها باطل : يعني تكفيره .
وفيه دليل أن الخوارج إذا قاتلوا الكفار مع أهل العدل يستحقون من الغنيمة مثل ما يستحقه غيرهم من المسلمين ، وأنه لا يعزر بالتعريض بالشتم ; لأن نسبته إلى الكفر شتم عرضوا به ولم يصرحوا . والرابع قوم مسلمون خرجوا على إمام العدل [ ص: 101 ] ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم وهم البغاة .