قال ( فإن التقطه رجل لم يكن لغيره أن يأخذه منه ) ; لأنه ثبت حق الحفظ له لسبق يده ( فإن ادعى مدع أنه ابنه فالقول قوله ) . [ ص: 112 ] معناه : إذا لم يدع الملتقط نسبه وهذا استحسان . والقياس أن لا يقبل قوله ; لأنه يتضمن إبطال حق الملتقط . وجه الاستحسان أنه إقرار للصبي بما ينفعه ; لأنه يتشرف بالنسب ويعير بعدمه . ثم قيل يصح في حقه دون إبطال يد الملتقط . وقيل يبتنى عليه بطلان يده ، ولو ادعاه الملتقط قيل يصح قياسا واستحسانا ، والأصح أنه على القياس والاستحسان وقد عرف في الأصل .
( قوله فإن ادعى مدع أنه ابنه فالقول قوله : ) ويثبت نسبه منه بمجرد دعواه ، ولو كان ذميا . قال المصنف ( معناه [ ص: 112 ] إذا لم يدع الملتقط نسبه ) يعني سابقا على دعوى المدعي أو مقارنا . أما إذا ادعياه على التعاقب فالسابق من الملتقط والخارج أولى ، وإن ادعياه معا فالملتقط أولى ولو كان ذميا والخارج مسلما لاستوائهما في الدعوى ولأحدهما يد فكان صاحب اليد أولى وهو الذمي . ويحكم بإسلام الولد ، ثم ثبوت النسب بمجرد دعوى الخارج استحسانا .
والقياس أن لا يثبت إلا ببينة ; لأنه يتضمن إبطال حق ثابت بمجرد دعواه ، وهو حق الحفظ الثابت للملتقط وحق الولاء الثابت لعامة المسلمين ( وجه الاستحسان أنه إقرار الصبي بما ينفعه ; لأنه يتشرف بالنسب ) ويتأذى بانقطاعه ، إذ يعير به ويحصل له من يقوم بتربيته ومؤنته راغبا في ذلك غير ممتن به . ويد الملتقط ما اعتبرت إلا بحصول مصلحته هذه لا لذاتها ولا لاستحقاق ملك ، وهذا مع زيادة ما ذكرنا حاصل بهذه الدعوى فيقدم عليه ، ثم يثبت بطلان يد الملتقط ضمنا مترتبا على وجوب إيصال هذا النفع إليه ; لأن الأب أحق بكونه في يده من الأجنبي ، وصار كشهادة القابلة على الولادة تصح ، ثم يترتب عليها استحقاق الميراث ، ولو شهدت عليه ابتداء لم يصح .
وكثير من المشايخ لا يذكرون غير هذا ، وذكر بعضهم أن عند البعض يثبت نسبه من المدعي ويكون في يد الملتقط للجمع بين منفعتي الولد والملتقط وليس بشيء . وأما ثبوت النسب في دعوى ذي اليد ( فقيل يصح قياسا واستحسانا ) أي ليس فيه قياس مخالف ، والصحيح أنهما أيضا فيه إلا أن وجه القياس فيه غيره في دعوى الخارج ، فإن ذلك هو استلزامه إبطال حق بمجرد دعواه ، وهنا هو استلزامه التناقض ; لأنه لما ادعى أنه لقطة كان نافيا نسبه ، فلما ادعاه تناقض . وجه الاستحسان فيه ما قدمناه ، والتناقض لا يضر في دعوى النسب ; لأنه مما يخفى ثم يظهر ، وهذا معنى ما في الأصل الذي أحال المصنف عليه .