( الآبق أخذه أفضل في حق من يقوى عليه ) [ ص: 134 ] لما فيه من إحيائه ، وأما الضال فقد قيل كذلك ، وقد قيل تركه أفضل لأنه لا يبرح مكانه فيجده المالك ولا كذلك الآبق ثم آخذ الآبق يأتي به إلى السلطان لأنه لا يقدر على حفظه بنفسه ، بخلاف اللقطة ، ثم إذا رفع الآبق إليه يحبسه ، ولو رفع الضال لا يحبسه لأنه لا يؤمن على الآبق الإباق ثانيا ، بخلاف الضال
كتاب الإباق
كل من الإباق واللقيط واللقطة تحقق فيه عرضة الزوال والتلف ، إلا أن التعرف له بفعل فاعل مختار في الإباق فكان الأنسب تعقيب الجهاد به ، بخلاف اللقطة واللقيط ، وكذا الأولى فيه ، وفي اللقطة الترجمة بالباب لا بالكتاب .
والإباق في اللغة : الهرب ، أبق يأبق كضرب يضرب ، والهرب لا يتحقق إلا بالقصد فلا حاجة إلى ما قيل هو الهرب قصدا . نعم لو قيل الانصراف ونحوه عن المالك كان قيد القصد مفيدا والضال ليس فيه قصد التغيب بل هو المنقطع عن مولاه لجهله بالطريق إليه ( قوله الآبق أخذه أفضل ) من تركه ( في حق من يقوى عليه ) أي يقدر على حفظه حتى يصل إلى مولاه ، بخلاف من يعلم من نفسه العجز عن ذلك والضعف ولا يعلم في هذا خلاف ، ويمكن أن يجري فيه التفصيل في اللقطة بين أن يغلب على ظنه تلفه على المولى إن لم يأخذه مع قدرة تامة [ ص: 134 ] عليه فيجب أخذه وإلا فلا .
واختلف في أخذ الضال ، قيل أخذه أفضل لما فيه من إحياء النفوس والتعاون على البر ( وقيل تركه أفضل لأنه لا يبرح مكانه ) منتظرا لمولاه حتى يجده ، ولا يخفى أن انتظاره في مكان غير متزحزح عنه ليس بواقع بل نجد الضلال يدورون متحيرين ، لا شك في أن محل هذا الخلاف إذا لم يعلم واجد الضال مولاه ولا مكانه ، أما إذا علمه فلا ينبغي أن يختلف في أفضلية أخذه ورده ( قوله ثم آخذ الآبق يأتي به إلى السلطان ) أو القاضي فيحبسه منعا له عن الإباق لأنه لا يستطيع حفظه عن إباقه من الأخذ إلا بذلك عادة ، بخلاف اللقطة .
أما لو فرض قدرته على ذلك لا يحتاج إلى السلطان ، وبهذا الاعتبار خيره الحلواني بين أن يأتي به إلى السلطان أو يحفظه بنفسه ، وعلى هذا الضال والضالة من الإبل وغيرها ، وإذا حبس الإمام الآبق فجاء رجل وادعاه وأقام بينة أنه عبده يستحلفه بالله أنه باق إلى الآن في ملكك لم يخرج ببيع ولا هبة ، فإذا حلف دفعه إليه .
وهذا لاحتمال أنه عرض بعد علم الشهود بثبوت ملكه على وجه زواله بسبب لا يعلمونه ، وإنما يستحلفه مع عدم خصم يدعي لصيانة قضائه عن الخطإ ونظرا لمن هو عاجز عن النظر لنفسه من مشتر أو موهوب له ، ثم إذا دفعه إليه عن بينة ففي أولوية أخذ الكفيل وتركه روايتان ، وكما يدفعه بالبينة يدفعه بإقرار العبد أنه له ، ويأخذ من المدفوع إليه هنا كفيلا رواية واحدة ، وينفق عليه مدة حبسه من بيت المال ثم يأخذه من صاحبه فيرده في بيت المال ، بخلاف اللقيط لا يؤخذ منه إذا كبر مال بيت المال لأنه كان مستحقا له بفقره وعجزه عن الكسب ، بخلاف مالك العبد ، وإذا لم يجئ للعبد طالب وطالت مدته باعه القاضي وأمسك ثمنه بعد أخذ ما أنفق لبيت المال منه ، فإذا جاء مالكه وأقام بينة وهو قائم في يد المشتري لا يأخذه ولا ينتقض بيع القاضي لأنه كحكمه ، بخلاف الضال إذا طالت مدته فإنه يؤاجره وينفق عليه من أجرته لأنه لا يخشى إباقه فلا يبيعه ، أما الآبق فيخشى ذلك منه فلذلك يبيعه ولا يؤاجره ، وينبغي أن يقدر الطول بثلاثة أيام كما تقدم في الضالة الملتقطة لأن دارة النفقة مستأصلة ، ولا نظر في ذلك للمالك بحسب الظاهر