( ولا تجوز الشركة في الاحتطاب والاصطياد ، وما اصطاده كل واحد منهما أو احتطبه فهو له دون صاحبه ) ، وعلى هذا الاشتراك في أخذ كل شيء مباح ; لأن الشركة متضمنة معنى الوكالة ، والتوكيل في أخذ المال المباح باطل [ ص: 192 ] لأن أمر الموكل به غير صحيح ، والوكيل يملكه بدون أمره فلا يصلح نائبا عنه ، وإنما يثبت الملك لهما بالأخذ وإحراز المباح ، فإن أخذاه معا فهو بينهما نصفان لاستوائهما في سبب الاستحقاق ، وإن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئا فهو للعامل ، وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر في عمله بأن قلعه أحدهما وجمعه الآخر ، أو قلعه وجمعه وحمله الآخر فللمعين أجر المثل بالغا ما بلغ عند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد .
وعند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لا يجاوز به نصف ثمن ذلك ، وقد عرف في موضعه .
أجيب بأن الغنيمة مقسومة بين الغانمين بحكم الله تعالى . فيمتنع أن يشترك هؤلاء في شيء منها بخصوصهم ، وفعله صلى الله عليه وسلم إنما هو تنفيل قبل القسمة ، أو أنه كان قدر ما يخصهم ، وعلى قول بعض الشافعية أن غنائم بدر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 192 ] يتصرف فيها كيف شاء ظاهر ( قوله لأن أمر الموكل به ) أي بأخذ المباح ( غير صحيح ) لعدم ملكه وولايته ( والوكيل يملكه ) أي يملك المباح ( بدون أمر الموكل فلا يصلح الوكيل نائبا ) عن الموكل ; لأن التوكيل إثبات ولاية لم تكن ثابتة للوكيل ، وهذا لم يوجد هاهنا ، فإذا لم تثبت الوكالة لم تثبت الشركة .
واستشكل بالتوكيل بشراء عبد بغير عينه فإنه يجوز مع أن الوكيل يملك شراءه لنفسه قبل التوكيل وبعده . وحاصل الجواب أن الوكيل ليس قادرا باعتبار آخر وهو شغل ذمة الموكل بالثمن لولا الوكالة فيها تثبت له ولاية أن يشغل ذمته به بعد أن لم يكن يقدر عليه .
وحاصل هذا أن التوكيل بما يوجب حقا على الموكل يتوقف على إثباته الولاية عليه في ذلك ، والكلام في التوكيل بخلافه ، وإنما الوجه أن الشرع جعل سبب ملك المباح سبق اليد إليه ، فإذا وكله به فاستولى عليه سبق ملكه له ملك الموكل ، ولو قيل عليه هذا إذا استولى عليه بقصده لنفسه ، فأما إذا قصد ذلك لغيره فلم لا يكون للغير ؟ يجاب بأن إطلاق نحو قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=15302الناس شركاء في ثلاث } لا يفرق بين قصد وقصد ( قوله فإن أخذاه جميعا ) يعني ثم خلطاه وباعاه قسم الثمن على كيل أو وزن ما لكل منهما .
وإن لم يكن وزنيا ولا كيليا قسم على قيمة ما كان لكل منهما ، وإن لم يعرف مقدار ما كان لكل منهما صدق كل واحد إلى النصف ; لأنهما استويا في الاكتساب ، وكان المكتسب في أيديهما ، فالظاهر أنه بينهما نصفان ، والظاهر يشهد له في ذلك فيقبل قوله ، ولا يصدق على الزيادة على النصف إلا ببينة ; لأنه يدعي خلاف الظاهر ( وإن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئا فهو للعامل ) لوجود السبب منه ( وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر بأن قلعه أحدهما ، وجمعه الآخر أو قلعه أحدهما وجمعه والآخر حمله فللمعين أجر مثله بالغا ما بلغ عند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لا يجاوز به نصف ثمن ذلك ) وقوله ( وقد عرف في موضعه ) يعني كتاب الشركة من المبسوط ، فإنه ذكر فيه وجه قول كل منهما ، فوجه قول محمد أن المسمى [ ص: 193 ] مجهول إذ لم يدر أي نوع من الحطب يصيبان ، وهل يصيبان شيئا أو لا ، والرضا بالمجهول لغو ، فسقط اعتبار رضاه بالنصف للجهالة ، وصار مستوفيا منافعه بعقد فاسد فله أجر مثله بالغا ما بلغ .
nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف يقول بقول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد فيما إذا لم يصيبا شيئا ، وفيما إذا أصابا أنه إن كان أجر مثله أكثر فهو قد رضي بما دونه من النصف ، وكونه مجهولا في الحال فهي حالة على شرف الزوال فإنه على عرض أن يصير معلوما عند الجمع والبيع ، بخلاف ما إذا لم يصيبا شيئا فإن المسمى لا يمكن اعتباره لجهالته بالتفاحش حالا ومآلا فحينئذ أجر المثل بالغا ما بلغ .
وقوله ( لا يجاوز به ) بفتح الواو على البناء للمفعول . وقوله ( نصف ثمن ذلك ) بالرفع ; لأنه هو النائب عن الفاعل . [ فرع ]
لهما كلب فأرسلاه فما أصاب بينهما ، ولو كان لأحدهما وأرسلاه جميعا كان ما أصابه لمالكه