( وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع وفي العقد عوضان كل واحد منهما مال ملك المبيع ولزمته قيمته ) [ ص: 460 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : لا يملكه وإن قبضه ; لأنه محظور فلا ينال به نعمة الملك ; ولأن النهي نسخ للمشروعية للتضاد ، ولهذا لا يفيده قبض القبض ، وصار كما إذا باع بالميتة أو باع الخمر بالدراهم . ولنا أن ركن البيع صدر من أهله . مضافا إلى محله فوجب القول بانعقاده ، ولا خفاء في الأهلية والمحلية .
وركنه : مبادلة المال بالمال ، وفيه الكلام [ ص: 461 ] والنهي يقرر المشروعية عندنا لاقتضائه التصور فنفس البيع مشروع ، وبه تنال نعمة الملك وإنما المحظور ما يجاوره كما في البيع وقت النداء ، [ ص: 462 ] وإنما لا يثبت الملك قبل القبض كي لا يؤدي إلى تقرير الفساد المجاور إذ هو واجب الرفع بالاسترداد فبالامتناع عن المطالبة أولى ; ولأن السبب قد ضعف لمكان اقترانه بالقبيح فيشترط اعتضاده بالقبض في إفادة الحكم بمنزلة [ ص: 463 ] الهبة ، والميتة بمال فانعدم الركن ، ولو كان الخمر مثمنا فقد خرجناه وشيء آخر وهو أن في الخمر الواجب هو القيمة وهي تصلح ثمنا لا مثمنا . ثم شرط أن يكون القبض بإذن البائع وهو الظاهر ، إلا أنه يكتفي به دلالة كما إذا قبضه في مجلس العقد استحسانا ، وهو الصحيح ; لأن البيع تسليط منه على القبض ، فإذا قبضه بحضرته قبل الافتراق ولم ينهه كان بحكم التسليط السابق ، وكذا القبض في الهبة [ ص: 464 ] في مجلس العقد يصح استحسانا ، وشرط أن يكون في العقد عوضان كل واحد منهما مال ليتحقق ركن البيع وهو مبادلة المال فيخرج عليه البيع بالميتة والدم والحر والريح والبيع مع نفي الثمن ، وقوله لزمته قيمته ، في ذوات القيم ، فأما في ذوات الأمثال فيلزمه [ ص: 465 ] المثل ; لأنه مضمون بنفسه بالقبض فشابه الغصب ، وهذا ; لأن المثل صورة ومعنى أعدل من المثل معنى .
( فصل في أحكامه ) قال ( وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع ) صريحا أو دلالة كما سيأتي ( وفي العقد عوضان كل منهما مال ملك المبيع ولزمته قيمته ) ومعلوم أنه إذا لم يكن فيه خيار شرط ; لأن ما فيه من الصحيح لا يملك بالقبض فكيف بالفاسد ، ولا يخفى أن لزوم القيمة عينا إنما هو بعد هلاك المبيع في يده ، أما مع قيامه في يده فالواجب [ ص: 460 ] رده بعينه ( وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يملكه وإن قبض ; لأنه ) أي البيع الفاسد ( محظور فلا ينال به نعمة الملك ; ولأن النهي نسخ للمشروعية ; للتضاد ) بين المشروعية والنهي ، والمراد أن النهي يتضمن انتفاء المشروعية ( ولهذا ) أي كونه غير مشروع ( لا يفيد الملك قبل القبض ) ولو كان مشروعا لثبت قبله كما في البيع الصحيح ( وصار كما إذا باع الخمر بالميتة أو باع الخمر بالدراهم ) فإن الاتفاق على أنه لا يفيد الملك في الوجهين وما ذاك إلا لانتفاء مشروعية السبب ( ولنا أن ركن العقد صدر من أهله في محله ، ولا خفاء في الأهلية ولا في المحلية وركنه مبادلة المال بالمال وفيه الكلام ) أي الكلام مفروض فيما إذا كان في العقد عوضان هما مالان .
قوله ( نعمة ) الملك لا تنال بالمحظور . قلنا : ممنوع ، بل ما وضعه الشرع سببا لحكم إذا نهى عنه على وضع خاص ففعل مع ذلك الوضع رأينا من الشرع أنه أثبت حكمه وأتمه . أصله الطلاق وضعه لإزالة العصمة ونهى عنه بوضع خاص وهو ما إذا كانت المرأة حائضا ثم رأيناه أثبت حكم طلاق الحائض فأزال به العصمة حتى أمرnindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بالمراجعة رفعا للمعصية بالقدر الممكن وأثم المطلق فصار هذا أصلا في كل سبب شرعي نهى عن مباشرته على الوجه الفلاني إذا بوشر معه يثبت حكمه ويعصي به .
وقوله النهي نسخ للمشروعية : يعني يفيد انتفاءها مع الوصف ، فنقول : ما تريد بانتفاء مشروعية السبب كونه لم يؤذن فيه مع ذلك الوصف المذكور أو كونه لا يفيد حكمه ؟ إن أردت الأول سلمناه ومتعنا أنه مع ذلك لا يفيد حكمه مع الوصف المقتضي للنهي كما أريناك من الشرع ، وإن أردت الثاني فهو محل النزاع وهو حينئذ مصادرة حيث جعلت محل النزاع جزء الدليل .
لا يقال فلا فائدة للنهي حينئذ ; لأن فائدته التحريم والتأثيم وهو موضع النهي فإنه للتحريم أو لكراهة التحريم إذا كان ظني الثبوت ، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن الثابت ركن العقد بأن لم يكن مالا بأن عقد على الخمر أو الميتة لعدم الركن فلم يوجد السبب أصلا فلا يفيد الملك فوضعنا الاصطلاح على الفاسد [ ص: 461 ] والباطل باعتبار اختلاف حكمهما تمييزا فسمينا ما لا يفيد باطلا وما يفيده فاسدا أخذا من مناسبة لغوية تقدمت أول باب البيع الفاسد ، ولا خفاء في حسن هذا التقرير إن شاء الله تعالى وكفايته .
وأما قول المصنف رحمه الله وغيره من المشايخ ( النهي يقرر المشروعية لاقتضائه التصور ) يريدون أن النهي عن الأمر الشرعي يقرر مشروعيته ; لأن النهي عن الشيء يقتضي تصور المنهي عنه وإلا لم يكن للنهي فائدة فليس بذاك ; لأن كونه يقتضي تصور النهي عنه بمعنى إمكان فعله مع الوصف المثير للنهي لا يفيد فإنه إذا فعل هذا المتصور يقع غير مشروع . وإن أرادوا تصوره شرعيا : أي مأذونا فيه شرعا فممنوع ، وإن قالوا نريد تصوره مشروعا بأصله لا مع هذا الوصف الذي هو مثير النهي .
قلنا سلمناه ولكن الثابت في صورة النهي هو المقرون بالوصف فهو غير مشروع معه . والمشروع وهو أصله بمعنى البيع مطلقا عن ذلك الوصف غير الثابت هنا فلا فائدة في هذا الكلام أصلا إذ نسلم أنه مشروع بأصله : أعني ما لم يقرن بالوصف وهو مفقود فلا يجدي شيئا ، وحينئذ فقوله ( فنفس البيع مشروع وبه تنال نعمة الملك ) يقال عليه ما تريد بنفس البيع الذي ليس فيه الوصف الذي هو متعلق النهي أو ما فيه ؟ إن قلت : الذي ليس فيه سلمناه وبه تنال نعمة الملك لكن الثابت البيع الذي ليس كذلك وهو ما فيه الوصف المثير للنهي فلا ينال به نعمة الملك فيحتاج لما قررناه من منع أن السبب إذا كان مع النهي لا يفيد الملك إلى آخر ما ذكرنا .
وأما ( قوله وإنما المحظور ما يجاوره كما في البيع وقت النداء ) فالمراد أن يجمع بين ما نحن فيه وبين البيع وقت النداء في ثبوت الملك عند عدم كون النهي لعين المنهي عنه كما إذا كان مع عدم ثبوت الركن وإلا فالنهي للمجاور يفيد الكراهة لا الحظر . والنهي للوصف اللازم كما نحن فيه يفيد الحظر ، هذا إلا أني أقول وبالله التوفيق مع ذلك : إن الخمر والخنزير ليسا بمال في شريعتنا .
فإن الشارع أهانهما بكل وجه حتى لعن حاملها ومعتصرها مع أنها مقصودة [ ص: 462 ] حال الاعتصار ، بل الموجود حينئذ نية أن يصير خمرا وبائعها وآكل ثمنها وهي مال في شرع أهل الكتاب على زعمهم ، وحيث أمرنا أن نتركهم وما يدينون فقد أمرنا باعتبار بيعهم إياها وبيعهم بها ، فإذا كان أحد العوضين خمرا أو خنزيرا في بيع المسلم فهو باطل لا يفيد الملك في البدل الآخر وإن كان ثمنا ، وإن كان في بيعهم فصحيح ، والله أعلم .
وقوله ( وإنما لا يثبت الملك قبل القبض إلى آخره ) جواب عن مقدر هو أنه إذا كان هذا البيع يفيده حكمه فما وجه تراخيه عنه إلى وقت القبض ؟ فأجاب : وحاصل الوجه فيه أنا قد أريناك أنه بسبب محظور وأن ما هو بسبب محظور طلب الشرع رفعه بالقدر الممكن وإن ترتب حكمه كما أمر بمراجعة الحائض فوجب ذلك في البيع ، وحيث أمرنا بإعدامه بعد فعله صار فيه ضعف ، ورأينا حكم السبب قد يتأخر عنه في الشرع بسبب من الأسباب فأخرناه إلى القبض ، فإنه به يتأكد العقد فيوجب حينئذ حكمه كالهبة لما ضعف السبب فلم يثبت الملك فيها إلا بالقبض .
وقوله ( كي لا يؤدي إلى تقرير الفساد ) أي إلى زيادة تقريره ، فإن المبادرة إليه تزيده وجودا مع أنه واجب الرفع فلا يفعل ذلك .
[ ص: 463 ] وقوله ( وإن كان الخمر مثمنا فقد خرجناه ) يريد ما قدمه من بطلان البيع إذا كانت مبيعا ; لأن في جعلها المقصود بالعقد إعزازا لها . وقوله ( وشيء آخر ) أي وجه آخر لبطلان العقد إذا كانت مبيعة ، وهو أن الواجب حينئذ تسليم قيمة الخمر ; لأن المسلم ممنوع عن تسليمها وتسلمها ، والقيمة لا تكون إلا دراهم أو دنانير فتصير القيمة مبيعة لقيامها مقام مبيع . وهو خلاف وضع الشرع في سائر البياعات من أن المقابل للسلع من النقود ثمن : لا يقال : لا مانع من ذلك ، فإن الدراهم والدنانير إذا قوبلت بمثلها صار كل منهما مبيعا وثمنا ، والخمر قد قوبلت بالدراهم فإذا نزلت القيمة مكانها صارت دراهم مقابلة بدراهم ; لأنا نقول : الثابت هنا كون كل مبيعا وثمنا ، وهنا يلزم مبيعا ليس غير .
وقد يقال : لما كان الواجب بقبض المبيع في الفاسد القيمة لا الثمن والمدفوع في بيع الخمر قيمتها آل إلى الصرف فتكون القيمة مبيعا وثمنا كالقيمة التي يدفعها المشتري ( ثم شرط ) في الملك ( أن يكون القبض بإذن البائع وهو الظاهر ) من المذهب ( إلا أنه يكتفي بالإذن دلالة كما إذا ) اجتره ف ( قبضه في مجلس العقد ) ولم يمنعه البائع ( استحسانا ، وهو الصحيح ; لأن البيع تسليط منه على القبض ، فإذا قبضه بحضرته قبل الافتراق ولم ينهه كان بحكم التسليط السابق ) أما إذا كان أمره بالقبض فإنه يملكها ، ولو كان القبض مع غيبة البائع ، ولو قيل : لا نسلم أن هذا البيع تسليط لما تقدم من ضعفه عن إفادة حكمه بنفسه وهذا هو وجه الرواية المقابلة للصحيح وتسمى الرواية المشهورة .
فالجواب أن ضعفه إنما يؤثر في منع ثبوت حكمه بمجرده لا منع قبضه مطلقا ، وصار كالهبة [ ص: 464 ] في ضعف السبب مع أن القبض فيها ( في مجلس العقد يصح استحسانا ) وأثر الضعف يكفي فيه كون التسليط الذي يثبت مقيدا بالمجلس ، حتى لو قبضه في غير ذلك المجلس بحضرته ولم ينهه لا يصح قبضه قياسا واستحسانا ، وعن الهندواني أنه قال : يجب أن يكون القبض بعد الافتراق عن المجلس بغير إذنه إذا كان أدى الثمن بما يملكه البائع بالقبض أخذا من إطلاق سيأتي .
وأما ما ذكر في المأذون من اشتراط إذن البائع في صحة القبض بعد الافتراق فتأويله إذا لم ينقد الثمن أو كان الثمن خمرا مثلا حتى لا يملك بالقبض ، فأما إذا ملك به فلا يحتاج إلى الإذن ويكون قبض الثمن منه إذنا منه بالقبض .
وفي المجتبى في التخلية اختلاف الروايات ، والأصح أنها ليست بقبض ، وفي الخلاصة التخلية كالقبض في البيع الفاسد في الجامع الكبير ، وفي المحيط : باع عبدا من ابنه الصغير فاسدا واشترى عبده لنفسه فاسدا لا يثبت الملك حتى يقبضه ويستعمله ، وفي جمع التفاريق : لو كان وديعة عنده وهي حاضرة ملكها . وقوله ( فيخرج عليه ) أي على اشتراط المال في البيع الفاسد عدم ( البيع ) وبطلانه ( بالميتة والدم والحر والبيع بالريح والبيع مع نفي الثمن ) كلها باطلة لعدم المال في العوض ، وقيد بنفي الثمن ; لأنهما لو سكتا عن الثمن فلم يذكراه بنفي ولا إثبات انعقد فاسدا ويثبت الملك بالقبض موجبا للقيمة ; لأن مطلق البيع يقتضي المعاوضة ، فإذا سكت عن عوضه كان عوضه قيمته وكأنه باعه بقيمته فيفسد البيع . وقوله ( لزمته قيمته ) يعني يوم القبض ، ولو زادت قيمته في يده فأتلفه ; لأنه إنما دخل في ضمانه بالقبض فلا يتغير كالغصب . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : عليه قيمته يوم أتلفه ; لأنه بالاستهلاك تقرر عليه الضمان فتعتبر قيمته حينئذ ، كذا في الكافي ، وهذا ( في ذوات القيم ، فأما في ذوات الأمثال فيلزمه المثل ) [ ص: 465 ] ومنها العدديات المتقاربة ( لأنه مضمون بنفسه ) أي بالقيمة واحترز به عن البيع الصحيح .
هذا والقول في القيمة والمثل قول المشتري ; لأنه الضامن ، فالقول له في القدر والبينة فيه بينة البائع