( باب المرابحة والتولية ) . ( قوله : المرابحة نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح [ ص: 495 ] والتولية نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول من غير زيادة ربح ) أورد عليه ما لو باع دنانير اشتراها بدراهم مرابحة لا يجوز مع صدق التعريف عليه ، وأجيب عنه في بعض المواضع بأنه بيع مرابحة ، وكونه لا يجوز شيء آخر ، واعلم أن معنى السؤال المرابحة جائزة بلا استثناء شيء ، وهذا من مما صدقاته فيجب أن يجوز لكنه لا يجوز .
والجواب عنه بأن المراد [ ص: 496 ] نقل ما ملكه مما هو ببيع متعين بدلالة قوله بالثمن الأول ، فإن كون مقابله ثمنا مطلقا يفيد أن ما ملكه بالضرورة مبيع مطلقا ثم إنما لم تجز المرابحة في ذلك ; لأن بدلي الصرف لا يتعينان فلم تكن عين هذه الدنانير متعينة لتلزم مبيعا ، والذي يلزم وروده على التقدير الذي صححنا به الإيراد ما إذا اشتراه بثمن نسيئة لا يجوز أن يرابح عليه مع أنه يصدق النقل بالثمن الأول إلا أن يقال إذا كان فيه أجل فالثمن الأول بمقابلة شيئين فلم يصدق في أحدهما أنه بمثل الثمن الأول ، والحق أنه وارد على الطرد ، وكون المرابحة غير صحيحة هو معنى عدم وجودها شرعا فيرد السؤال ، وعلى عكسه مسائل : الأولى ما إذا أبق العبد المغصوب فقضي بقيمته على الغاصب ثم عاب للغاصب أن يبيعه مرابحة على القيمة التي أداها فهذا بيع مرابحة ، ولا يصدق عليه نقل ما ملكه بالثمن الأول ، وكذا إذا باعه مرابحة بما قام عليه .
وكذا لو ملكه بهبة أو إرث أو وصية وقومه قيمته ثم باعه مرابحة على تلك القيمة أنه يجوز ، وصورة هذه المسألة أن يقول : قيمته كذا أو رقمه كذا فأرابحك على القيمة أو رقمه ، ومعنى الرقم أن يكتب على الثوب المشترى مقدارا سواء كان قدر الثمن أو أزيد ثم يرابحه عليه ، وهو إذا قال رقمه كذا وهو صادق لم يكن خائنا ، فإن غبن المشتري فيه فمن قبل جهله ، وأجيب بما حاصله أن الغصب ملحق بالمعاوضات ، ولذا صح إقرار المأذون به لما كان إقراره بالمعاوضات جائزا فالقيمة بالقضاء بها بمنزلة الثمن الذي اشترى به .
وصرح في الفتاوى الكبرى في مسألة الغصب أنه يقول قام علي كذا ، وجواب الثانية يأتي في هذا الكتاب ، والثالثة ما ذكرنا من أن مبنى المرابحة على عدم الخيانة ، وهو إذا قال قيمته كذا أو رقمه كذا وهو صادق لم يكن خائنا ، والحق أنه لا يدفع ما على عكس الحد ، وهو أن المرابحة نقل ما ملكه بالثمن الأول مع زيادة ربح ولا ثمن سابق أصلا ، والله أعلم ، ومما يرد أيضا ما إذا كان رأس المال عبدا مثلا فباع المبيع مرابحة على العبد ممن صار إليه العبد بربح معين فإنه يجوز مرابحة ، ولا يصدق عليه أنه بمثل الثمن الأول فإنه بعينه لا بمثله ، ويجاب بأن هذا العبد في حكم عبد آخر ; لأن اختلاف الأسباب يوجب اختلاف الأعيان .
( قوله والبيعان جائزان ) استدل على جوازهما بالمعنى وعلى التولية بالنص فقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره ، وفي التولية أحاديث لا شبهة فيها : منها ما أخرج nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=84260التولية والإقالة والشركة سواء } لا بأس به ، ولا خلاف في مرسل سعيد : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا مستفاضا بالمدينة قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=35702من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه ، إلا أن يشرك فيه أو يوليه أو يقيله } وحديث أبي بكر الذي ذكره المصنف في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة .
وفيه { nindex.php?page=hadith&LINKID=84261إن أبا بكر قال للنبي صلى الله عليه وسلم : خذ بأبي أنت وأمي إحدى راحلتي هاتين ، فقال صلى الله عليه وسلم : بالثمن } أخرجه في بدء الخلق ، وفي مسند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد قال صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=84262قد أخذتها بالثمن } وفي الطبقات لابن سعد : { وكان أبو بكر قد اشتراها بثمانمائة درهم من نعم بني قشير فأخذ إحداهما وهي القصواء } ، فما رواه المصنف يصح بالمعنى ، وتفصيله قريب مما ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق في السيرة قال فيها { فلما قرب أبو بكر الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أفضلهما ثم قال له : اركب فداك أبي وأمي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أركب بعيرا ليس لي ، قال : فهي لك يا رسول الله ، قال : لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به قال كذا وكذا ، قال : قد أخذتها بذلك ، قال هي لك يا رسول الله ، فركبا وانطلقا } .
وأما المعنى فهو قوله ( لاستجماع شرائط الجواز ) ولما لم يكف ثبوت الشرائط في الشرعية أفاد علتها بقوله ( والحاجة ماسة إلى هذا النوع من التصرف ; لأن الغبي الذي لا يهتدي في التجارة يحتاج إلى أن يعتمد ) على ( فعل المهتدي وتطيب بنفسه بمثل ما اشترى وبزيادة ربح فوجب القول بجوازهما ) ولا يخفى أنه لا يحتاج إلى دليل خاص لجوازهما بعد الدليل المثبت لجواز البيع مطلقا بما تراضيا عليه بعد أن لا يخل بما علم شرطا للصحة ، بل دليل شرعية البيع مطلقا بشروطه المعلومة هو دليل جوازهما ، إذ لا زيادة فيهما إلا اقترانهما بإخبار خاص ، إذ حاصله أنه يبيعه بثمن كذا مخبرا بأن ذلك الثمن الذي اشتريت به أو مع زيادة لا أرضى بدونها .