قال ( ولا تصح المرابحة والتولية حتى يكون العوض مما له مثل ) ; لأنه إذا لم يكن له مثل لو ملكه ملكه بالقيمة وهي مجهولة ( ولو كان المشتري باعه مرابحة ممن يملك ذلك البدل وقد باعه بربح درهم أو بشيء من المكيل موصوف جاز ) لأنه يقدر على الوفاء بما التزم ( وإن باعه بربح ده يازده لا يجوز ) ; لأنه باعه برأس المال وببعض قيمته ; لأنه ليس من ذوات الأمثال [ ص: 498 ] ( ويجوز أن يضيف إلى رأس المال أجرة القصار والطراز والصبغ والفتل وأجرة حمل الطعام ) ; لأن العرف جار بإلحاق هذه الأشياء برأس المال في عادة التجار ; ولأن كل ما يزيد في المبيع أو في قيمته يلحق به هذا هو الأصل ، وما عددناه بهذه الصفة ; لأن الصبغ وأخواته يزيد في العين والحمل يزيد في القيمة إذ القيمة تختلف باختلاف المكان ( ويقول قام علي بكذا ولم يقل اشتريته بكذا ) كي لا يكون كاذبا وسوق الغنم بمنزلة الحمل ، بخلاف أجرة الراعي وكراء بيت الحفظ ; لأنه لا يزيد في العين والمعنى ، وبخلاف أجرة التعليم لأن ثبوت الزيادة لمعنى فيه وهو حذاقته .
ومن معرفة شروط صحة البيع يعلم المذكور بقوله ( ولا تصح المرابحة والتولية حتى يكون العوض ) يعني الثمن ( مما له مثل ) كالنقدين والحنطة والشعير وما يكال ويوزن والعددي المتقارب ، بخلاف غير المتقارب كالبطيخ والرمان ونحوهما ( لأنه لو لم يكن له مثل ) بأن اشترى ثوبا بعبد مقايضة مثلا لو رابحه أو ولاه إياه كان بيعا بقيمة عبد صفته كذا أو بقيمة عبد ابتداء وهي مجهولة وذلك معلوم أنه لا يجوز .
أما لو كان ما اشتراه به وصل إلى من يبيعه منه فرابحه عليه بربح معين كأن يقول أبيعك مرابحة على الثوب الذي بيدك وربح درهم أو كر شعير أو ربح هذا الثوب ( جاز ; لأنه يقدر على الوفاء بما التزمه ) من الثمن بخلاف ( ما لو باعه ) والحالة هذه ( بربح ده يازده ) فإنه ( لا يجوز لأنه باعه برأس المال وببعض قيمته ) [ ص: 498 ] فإن معنى ده يازده كل عشرة أحد عشر ، وهذا فرع معرفة عدد العشرات وهو بتقويم العبد ، وهذا بناء على أن لفظ ده يازده ومعناه العشرة أحد عشر أي كل عشرة ربحها واحد يقتضي أن يكون الحادي عشر من جنس العشرة ولا شك أنه غير لازم من مفهوم ذلك ، ولكن لزوم ذلك رفعا للجهالة ولا يثبت ، وحينئذ فالمرابحة على العبد بده يازده تقتضي أنه باعه بالعبد وببعضه أو بمثل بعضه وهو كل عشرة أجزاء من العبد ربحها جزء آخر منه ، وحين عرف أن المراد كل عشرة دراهم أحد عشر لزم حينئذ ما ذكر وهو أنه باعه بالعبد وببعض قيمته .
وإذا كان نقد نيسابور في الوزن والجودة دون نقد بلخ ولم يبين فرأس المال والربح على نقد نيسابور ، وإن كان على عكسه واشتراه ببلخ بنقد نيسابور ولم يعلم أنه أوزن وأجود فهو بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك ، واعلم أن المعتبر في المرابحة ما وقع العقد الأول عليه دون ما دفع عوضا عنه ، حتى لو اشترى بعشرة فدفع عنها دينارا أو ثوبا قيمته عشرة أو أقل أو أكثر فإن رأس المال هو العشرة لا الدينار والثوب لأن وجوب هذا بعقد آخر .
وهو الاستبدال ( قوله ويجوز أن يضيف إلى رأس المال أجرة القصار والصبغ ) أسود كان الصبغ أو غيره ( والطراز والفتل وأجرة حمل الطعام ) برا أو بحرا ( لأن العرف جار بإلحاق هذه الأشياء برأس المال في عادة التجار ، والأصل أن كل ما يزيد في المبيع أو في القيمة يلحق به ) أي برأس المال .
( وما عددناه بهذه الصفة لأن الصبغ وأخواته ) من الطراز والفتل ( يزيد في العين والحمل ) من مكان إلى مكان ( يزيد في القيمة لاختلاف القيمة باختلاف الأماكن ) قال في الإيضاح : هذا المعنى ظاهر ، ولكن لا يتمشى في بعض المواضع ، والمعنى المعتمد عليه عادة التجار حتى يعم المواضع كلها ( و ) إذا ضم ما ذكر ( يقول قام علي بكذا ، ولا يقول اشتريته بكذا تحرزا عن الكذب ، وسوق الغنم ) والبقر ( كالحمل ) يضمه ( بخلاف أجرة الراعي والبيت للحفظ ; لأنه لا يزيد في العين ) ولا القيمة فلا يضم ، وكذا سائق الرقيق وحافظهم وحافظ الطعام والمتاع ، بخلاف سائق الغنم ( و ) كذا ( أجرة تعليم العبد ) صناعة أو قرآنا أو علما أو شعرا ( لأن ثبوت الزيادة لمعنى فيه ) أي في المتعلم ( وهو حذاقته ) فلم يكن ما أنفقه على المعلم موجبا للزيادة [ ص: 499 ] في المالية ، ولا يخفى ما فيه إذ لا شك في حصول الزيادة بالتعلم ، ولا شك أنه مسبب عن التعليم عادة ، وكونه بمساعدة القابلية في المتعلم هو كقابلية الثوب للصبغ فلا تمنع نسبته إلى التعليم كما لا تمنع نسبته إلى الصبغ فإنما هو شرط والتعليم علة عادية فكيف لا يضم .
وفي المبسوط أضاف نفي ضم المنفق في التعليم إلى أنه ليس فيه عرف ، قال : وكذا في تعليم الغناء والعربية ، قال : حتى لو كان في ذلك عرف ظاهر يلحق برأس المال ، وكذا لا يلحق أجرة الطبيب والرائض والبيطار وجعل الآبق ; لأنه نادر فلا يلحق بالسائق ; لأنه لا عرف في النادر والحجامة والختان لعدم العرف ، وتضم أجرة السمسار في ظاهر الرواية ، وفي جامع البرامكة : لا تضم ; لأن الإجارة على الشراء لا تصح إلا ببيان المدة ، ووجه ظاهر الرواية العرف فيه ، وقيل : إن كانت مشروطة في العقد تضم ، وقيل أجرة الدلال تضم ، كل هذا ما لم تجر عادة التجار ، ولا يضم ثمن الجلال ونحوها في الدواب ، وتضم الثياب في الرقيق وطعامهم إلا ما كان سرفا وزيادة ، ويضم علف الدواب إلا أن يعود عليه شيء متولد منها كألبانها وصوفها وسمنها فيسقط قدر ما نال ويضم ما زاد ، بخلاف ما إذا أجر الدابة أو العبد أو الدار فأخذ أجرته فإنه يرابح مع ضم ما أنفق عليه ; لأن الغلة ليست متولدة من العين ، وكذا دجاجة أصاب من بيضها يحتسب بما ناله وبما أنفق ويضم الباقي وتضم أجرة التجصيص والتطيين وحفر البئر في الدار والقناة في الأرض ما بقيت هذه ، فإن زالت لا تضم ، وكذا سقي الزرع والكرم وكسحه .
ولو قصر الثوب بنفسه أو طين أو عمل هذه الأعمال لا يضم شيئا منها ، وكذا لو تطوع متطوع [ ص: 500 ] بهذه الأعمال أو بإعارة .