قال المصنف رحمه الله ( وجملة الشروط جمعوها إلى آخره ) فإعلام رأس المال يشتمل على بيان جنسه وصفته ونوعه وقدره وتعجيله تتم خمسة ، ومن صفته أن يذكر من النقد الفلاني إذا كان في البلد نقود مختلفة المالية متساوية في الرواج كقولنا عدلية أو غطريفية ، فإن لم تختلف وتساوت رواجا يعطيه من أيها شاء ، ولو تفاوتت رواجا انصرف إلى غالب نقد البلد كما في البيع ، وينبغي في ديارنا إذا سمى مؤيديه يعطيه الأشرفية والجقمقية لتعارف تسمية الكل مؤيديه ، والاستواء في المالية والرواج وإعلام المسلم فيه يشتمل على مثلها خلا التعجيل وتأجيله وبيان مكان الإيفاء يتم أحد عشر ، وأما القدرة على تحصيله فالظاهر أن المراد منه عدم الانقطاع ، فإن القدرة بالفعل في الحال ليس هو شرطا عندنا ، ومعلوم أنه لو اتفق عجزه عند الحلول وإفلاسه لا يبطل السلم وقد بقي ما قدمناه من كون المسلم فيه مما يتعين بالتعيين فلا يجوز في النقود وأن لا يكون حيوانا ، وانتقاد رأس المال إذا كان نقدا عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة خلافا لهما ، وأن لا يشمل البدلين إحدى علتي الربا وعدم الخيار ، فظهر أن قوله وجملة الشروط لم يتم .
ثم فرع على اشتراط القبض في السلم أنه لو أسلم مائتين في كر حنطة ( منها مائة دين على المسلم إليه ونقده مائة أن السلم في حصة الدين باطل لفوات قبضه ولا يشيع الفساد ) في الكل خلافا nindex.php?page=showalam&ids=15922لزفر رحمه الله . وجه قوله أنه فساد قوي لتمكنه في صلب العقد . وأيضا فقد جعل قبول العقد في صحة الدين شرطا لقبوله في صحة النقد [ ص: 100 ] فهذا شرط فاسد .
ولنا أن الفساد طارئ . فلا يشيع في غير محل المفسد ، أما إن أضاف العقد إلى مائتين مطلقا بأن قال أسلمت إليك مائتين في كذا ثم جعل إحداهما الدين فظاهر ، وأما إن أضاف إلى الدين والعين جميعا بأن قال أسلمت مائة الدين وهذه المائة في كذا فكذلك ، وإن قيل يفسد في الكل عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة لما ذكرنا من اشتراط القبول في حصة الدين . والصحيح أن الجواب فيهما عدم الفساد عنده لأن العقد لا يتقيد بالدين ، ولو قيد به بدليل : من اشترى عبدا بدين ثم تصادقا أن لا دين لا يبطل إلا إذا كانا يعلمان عدم الدين فيفسد لأمر آخر وهو أنهما حينئذ هازلان بالبيع حيث عقدا بيعا بلا ثمن ، بخلاف ما لو كانت المائة على ثالث فإنه يشيع الفساد ، ولذا قيد المصنف كون المائة دينا على المسلم إليه لأن المائة على الأجنبي ليست مالا في حقهما ، وحين لم يتقيد بالدين لم يتحقق الفساد بمجرد ذكر ذلك ، بل بالافتراق بلا قبض تلك المائة ، ولهذا لو نقض المائة قبل الافتراق صح السلم وحينئذ لم يلزم قوله جعل القبول في الفاسد شرطا إلى آخره إذ لم يلزم الفساد بالإضافة لفظا إلى الدين وكان الفساد طارئا بلا شبهة .
وقال في المنظومة : إن كان رأس المال نوعين نقد هذا ودين ذاك فالكل فسد إن لم يبين قسط ذا وقسط ذا والبر في الشعير والزيت كذا فاستشكلت على مسألة الكتاب فقيل : إنما قيد بالنوعين ، لأنه إذا كان من جنس واحد لا يتعدى الفساد كما ذكر في الهداية . واستشكله صاحب الحواشي على قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة لأن عنده إذا ورد العقد على شيئين وفسد في أحدهما يفسد في الآخر لأنه يصير قبول الفاسد شرطا إلى آخره ، قال : إلا أن هذا في الفساد المقارن الذي تمكن في صلب العقد لا في الطارئ ، وهذا طارئ لأن قبض رأس المال شرط لبقاء العقد على الصحة ، أما العقد في نفسه فصحيح .
واستشكله الشيخ حافظ الدين في المصفى بأن هذا يقتضي أن لا يفسد في النقد إذا كان رأس المال نوعين أيضا ، ثم قال : يحتمل أن الفساد باعتبار أن معرفة رأس المال شرط عنده ولم يبين حصة كل منهما من المسلم فيه فهي المسألة التي قدمها المصنف تفريعا على اشتراطه معرفة مقدار رأس المال إذا كان مما يتعلق العقد على قدره ، فإذا قوبل بشيئين كان الانقسام بطريق القيمة وذلك يعرف بالحزر والظن وهو مجهول انتهى . وهو جيد ما فرعه المصنف على اشتراط معرفة مقدار رأس المال إلا أن على هذا لا حاجة إلى تقييد المنظومة بكون أحدهما دينا فإنه [ ص: 101 ] لو كان عينين فسد فيها لذلك أيضا