المسائل التي تشذ عن الأبواب المتقدمة فلم تذكر فيها إذا استدركت سميت مسائل منثورة : أي متفرقة عن أبوابها ( قوله ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع ، المعلم وغير المعلم في ذلك سواء ) هكذا أطلق في الأصل ، فمشى بعضهم على إطلاقه nindex.php?page=showalam&ids=14972كالقدوري . وفي نوادر هشام عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : نص على جواز بيع الكلب العقور وتضمين من قتله قيمته . وروى الفضل بن غانم عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف نصه على منع بيع العقور ، وعلى هذا مشى في المبسوط فقال : يجوز بيع الكلب إذا كان بحال يقبل التعليم .
فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز بيع النمر بحال لأنه لشره لا يقبل تعليما . وفي بيع القرد روايتان عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : رواية الحسن الجواز ، ورواية nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف بالمنع . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : أكره بيعه لأنه لا منفعة له إنما هو للهو وهذه جهة محرمة . وجه رواية الجواز أنه يمكن الانتفاع بجلده وهذا هو وجه رواية إطلاق بيع الكلب والسباع فإنه مبني على أن كل ما يمكن الانتفاع بجلده أو عظمه يجوز بيعه .
ويجوز بيع الهرة لأنها تصطاد الفأر والهوام المؤذية فهي منتفع بها ، ولا يجوز بيع هوام الأرض كالخنافس والعقارب والفأرة والنمل والوزغ والقنافذ والضب ، ولا هوام البحر كالضفدع والسرطان . وذكر nindex.php?page=showalam&ids=11903أبو الليث أنه يجوز بيع الحيات إذا كان ينتفع بها في الأدوية وإن لم ينتفع فلا يجوز ، ويجوز بيع الدهن النجس لأنه ينتفع به للاستصباح فهو كالسرقين ، وأما العذرة فلا ينتفع بها إلا إذا خلطت بالتراب فلا بجواز بيعها إلا تبعا للتراب المخلوط ، بخلاف الدم يمتنع مطلقا ( قوله وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجوز بيع الكلب ) مطلقا سواء كان للصيد أو لم يكن ، وأما اقتناؤه [ ص: 119 ] للصيد وحراسة الماشية والبيوت والزرع فيجوز بالإجماع ، لكن لا ينبغي أن يتخذه في داره إلا إن خاف لصوصا أو أعداء للحديث الصحيح { من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان } وجه قوله ما روى nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه عن nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=67182إن مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام من السحت } وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني بسندين فيهما ضعف .
نعم أخرج الترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=84315نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد } وضعفه الترمذي قال : وقد روي أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر مرفوعا ولا يصح إسناده ، والأحاديث الصحيحة ليس فيها هذا الاستثناء ، لكن روى nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة في سنده عن الهيثم عن عكرمة عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=67190أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمن كلب الصيد } وهذا سند جيد ، فإن الهيثم ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات من أثبات التابعين ، فهذا الحديث على رأيهم يصلح مخصصا والمخصص بيان للمراد بالعام فيجوز وإن كان دونه في القوة عندهم ، حتى أجازوا تخصيص العام القاطع بخبر الواحد ابتداء فبطل مدعاهم من عموم منع البيع ، ثم دليل التخصيص مما يعلل ويخرج من العام مرة أخرى ، وتعليل إخراج كلب الصيد ساطع أنه لكونه منتفعا به ، وخصوص الاصطياد ملغى إذ لا يظهر موجب [ ص: 120 ] لذلك فصار الكلب المنتفع به خارجا سواء انتفع به في صيد أو حراسة ماشية وخرج العقور .
ومن مشى من أهل المذهب على التعميم في جواز بيع الكلب يقول : كل كلب تتأتى منه الحراسة فيجوز بيع الكل . ويرد عليه أنه حينئذ نسخ لموجب العام بالتعليل ولا نسخ بقياس . فالوجه أن يعلل دليل التخصيص بنفع لا تربو عليه مفسدة ، ويدعي في العقور أن مفسدته تربو على منفعة حراسته ; لأن منفعته خاصة يقترن بها ضرر عام للناس فيخرج ما سواه .
وقصر بعض الشارحين نظره على الحديث فحكم بأنه ليس دليلا على المذهب بل ذكره لنفي مذهب الخصم : أعني شمول المنع فيحتاج بعده إلى دليل المذهب وليس إلا الوجه الثاني ، وعلى تقريرنا يتم الأول أيضا .
وقد استدل في الأسرار وغيره من الشروح على عموم بيع الكلب بأن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=84316أنه قضى في كلب بأربعين درهما } ولم يخصص نوعا من أنواع الكلاب . وهذا الحديث أولا لا يعرف إلا موقوفا حدث به nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن يونس وهو ابن عبد الأعلى عن nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو " أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهما وقضى في كلب ماشية بكبش " . وثانيا هو واقعة حال لا توجب العموم في أنواع الكلاب فجعلها دليلا على العموم خطأ ظاهر .
ثانيهما هو قوله ( ولأنه ينتفع به حراسة واصطيادا فكان مالا ) يعني مالا مملوكا متقوما . أما كونه مالا فلأن المال اسم لغير الآدمي خلق لمنفعته المطلقة شرعا ، وهذا كذلك فكان مالا ، وأما أنه مملوك متقوم فلأنه محرز مأذون شرعا [ ص: 121 ] في الانتفاع به ، والملك يثبت بالإحراز بدار الإسلام والتقوم بالتمول ، وكلاهما مأذون فيه شرعا إذ قد أذن الشرع في اقتناء كلب الماشية والصيد ، وإذا كان كذلك جاز بيعه .
ولا يخفى أن هذا المعنى لا يترجح على النص الصريح الصحيح . غاية ما في الباب أن يسلم أنه مال محرز متقوم لكن ثبت منع الشرع من بيع هذا النوع من المال . فأجاب المصنف بادعاء نسخ المنع من ذلك ، وذلك لما قلنا أول الكتاب من أن الأمر بقتل الكلاب كان أمرا محققا في الأول من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم علم نسخ ذلك برواية ترك قتلها على ما حدث nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15994سعيد بن عامر قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن nindex.php?page=showalam&ids=11834أبي التياح عن nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف عن عبد الله بن المغفل قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=84317أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ، ثم قال : مالي وللكلاب ؟ ثم رخص في كلب الصيد وفي كلب آخر نسيه سعيد } .
وقوله ( وقد ذكرناه ) يعني في باب البيع الفاسد ويقوم إشكالا على جواز بيع السرقين ، اللهم إلا أن يقال : لا شك أنه لا بد من تقدير في نحو : حرمت الخمر ، فإنا بينا في الأصول أن التحريم المضاف إلى الأعيان تقدر إضافته إلى ما هو المقصود من ذلك العين كالشرب من الخمر والأكل من الميتة واللبس من الحرير ، فقوله صلى الله عليه وسلم في حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=84318إن الله إذا حرم شيئا } يعني إذا حرم ما هو المقصود من الشيء " حرم بيعه وأكل ثمنه " كالمقصود من الخمر والمقصود من الميتة والخنزير وهو الأكل والشرب ، وليس هذا الحديث في السرقين فلم يثبت فيه تحريم البيع ، فإن قال النجاسة سبب ، قلنا : ممنوع فيحتاج إلى دليل آخر .
أما هذا الحديث فإنما يفيد أن تحريم ما هو المقصود من الشيء موجب لتحريم بيعه