قال ( ومن باع جارية قيمتها ألف مثقال فضة وفي عنقها طوق فضة قيمته ألف مثقال بألفي مثقال فضة ونقد من الثمن ألف مثقال ثم افترقا فالذي نقد ثمن الفضة ) لأن قبض حصة الطوق واجب في المجلس لكونه بدل الصرف ، والظاهر منه الإتيان بالواجب ( وكذا لو اشتراها بألفي مثقال ألف نسيئة وألف نقدا فالنقد ثمن الطوق ) لأن الأجل باطل في الصرف جائز في بيع الجارية ، والمباشرة على وجه الجواز وهو الظاهر منهما ( وكذلك إن باع سيفا محلى بمائة درهم وحليته خمسون فدفع من الثمن خمسين جاز البيع وكان المقبوض حصة الفضة وإن لم يبين ذلك لما بينا ، وكذلك إن قال : خذ هذه الخمسين من ثمنهما ) لأن الاثنين قد يراد بذكرهما الواحد ، قال الله تعالى { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } والمراد أحدهما فيحمل عليه لظاهر حاله [ ص: 142 ] ( فإن لم يتقابضا حتى افترقا بطل العقد في الحلية ) لأنه صرف فيها ( وكذا في السيف إن كان لا يتخلص إلا بضرر ) لأنه لا يمكن تسليمه بدون الضرر ولهذا لا يجوز إفراده بالبيع كالجذع في السقف ( وإن كان يتخلص بغير ضرر جاز البيع في السيف وبطل في الحلية ) لأنه أمكن إفراده بالبيع فصار كالطوق والجارية ، وهذا إذا كانت الفضة المفردة أزيد مما فيه ، فإن كانت مثله أو أقل منه أو لا يدري لا يجوز البيع للربا أو لاحتماله ، وجهة الصحة من وجه وجهة الفساد من وجهين فترجحت . .
( قوله ومن باع جارية قيمتها ألف مثقال فضة وفي عنقها طوق فيه ألف مثقال بألفي مثقال فضة ونقد من الثمن ألف مثقال ثم افترقا ) صرف المنقود إلى الطوق وإن لم ينص الدافع عليه ، وكذا لو قال خذه منهما صرف أيضا إلى الطوق وصح البيع فيهما تحريا للجواز بتحكيم ظاهر حالهما ، إذ الظاهر قصدهما إلى الوجه المصحح ; لأن العقد لا يفيد تمام مقصودهما إلا بالصحة ، فكان هذا الاعتبار عملا بالظاهر والظاهر يجب العمل به ، بخلاف ما لو صرح فقال خذ هذه الألف من ثمن الجارية فإن الظاهر حينئذ عارضه التصريح بخلافه ، فإذا قبضه ثم افترقا بطل في الطوق كما إذا لم يقبضه .
{ nindex.php?page=hadith&LINKID=84326وقال صلى الله عليه وسلم في قصة مالك بن الحويرث وابن عم له : إذا سافرتما فأذنا وأقيما } وإنما أراد أن يؤذن أحدهما وقال تعالى { قد أجيبت دعوتكما } والمراد دعوة موسى ، إلا أنه قد قيل : إن هارون كان يؤمن على دعائه ، فإذا صح الاستعمال وكثر وجب الحمل عليه لما قلنا ، وذكرنا من قريب أنه لو كان الفساد بسبب الأجل في العقد شاع الفساد في الجارية أيضا على قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله ، لأن الفساد في ابتداء العقد بخلافه عن الافتراق . هذا ولقد وقع الإفراط في تصوير المسألة حيث طوقها ألف مثقال فضة فإنه عشرة أرطال بالمصري ووضع هذا المقدار في العنق بعيد عن العادة بل نوع تعذيب ، وعرف من هذا الوجه أن كون قيمتها مع مقدار الطوق متساويين ليس بشرط ، بل الأصل أنه إذا بيع نقد مع غيره بنقد من جنسه لا بد أن يزيد الثمن على النقد المضموم إليه ، ومثل هذا فيما إذا باع سيفا محلى بمائة وحليته خمسون بمائة وخمسين أو بمائة وعشرة فدفع من الثمن خمسين فإنه يجب فيه هذه الاعتبارات ، ولو لم يتقابضا في الصورتين حتى افترقا بطل في حصة الطوق والحلية ; لأنه صرف فيها ويصح في الجارية .
وأما السيف فإن كانت الحلية لم تتخلص منه إلا بضرر فيه فسد في السيف أيضا لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر فيه ، ولهذا لا يجوز إفراده بالبيع كما مر في جذع من سقف ، فإن كان [ ص: 143 ] يتخلص بلا ضرر جاز فيه كالجارية ; لأنه أمكن إفراده بالبيع وبطل في الحلية خاصة .
ثم الجواب في المسألتين مقيد بما إذا كانت الفضة المفردة : يعني الثمن أكثر من الطوق والحلية ، فإن كانت مثله أو أقل أو لا يدري واختلف المقومون في ذلك لا يجوز البيع للربا حقيقة فيما إذا كانت أقل أو مساوية بسبب زيادة البدل الآخر وهو المبيع الفضة زيادة من جنسه أو من غيره وهو نفس الجارية والسيف أو احتمال الربا فيما إذا لم يدر الحال ، وتقدم أنه لا بد من العلم بالمساواة . فإن قيل : في صورة الاحتمال لم يقطع بالفساد . أجاب بأن جهة الفساد متعددة ، فإنها من وجهين ، وهو تجويز الأقلية والمساواة ، بخلاف الصحة فإنها على تقدير واحد وهو الزيادة فترجحت جهة الفساد ، على أن مجرد احتمال الربا كاف في الفساد فلا حاجة إلى الترجيح مع أنه يرد عليه أن الترجيح بما يصلح بنفسه علة للفساد ويحتاج إلى الجواب بأن المعنى أن احتمال أحدهما فقط مفسد فكيف إذا اجتمعا ، وعلى هذا كل ما اشتري بالفضة فضة مع غيرها أو بالذهب ذهبا مع غيره .