[ ص: 227 ] ( باب كفالة الرجلين ) ( وإذا كان الدين على اثنين وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه كما إذا اشتريا عبدا بألف درهم وكفل كل [ ص: 228 ] واحد منهما عن صاحبه فما أدى أحدهما لم يرجع على شريكه حتى يزيد ما يؤديه على النصف فيرجع بالزيادة ) لأن كل واحد منهما في النصف أصيل وفي النصف الآخر كفيل ، ولا معارضة بين ما عليه بحق الأصالة وبحق الكفالة ، لأن الأول دين والثاني مطالبة ، ثم هو تابع للأول فيقع عن الأول ، وفي الزيادة لا معارضة فيقع عن الكفالة ، ولأنه لو وقع في النصف عن صاحبه فيرجع عليه فلصاحبه أن يرجع لأن أداء نائبه كأدائه [ ص: 229 ] فيؤدي إلى الدور
( باب كفالة الرجلين ) [ ص: 228 ] لما نزل هذا مما قبله منزلة المركب من المفرد ذكره عقيبه ( قوله وإذا كان الدين على اثنين بأن اشتريا معا عبدا بألف ) أو اقترضا معا ( وكفل كل منهما عن صاحبه فما أداه أحدهما لم يرجع على شريكه حتى يزيد ما يؤديه على النصف فيرجع بالزائد ل ) وجهين : أحدهما ( أن كلا منهما في النصف أصيل وفي النصف الآخر كفيل ولا معارضة بين ما عليه بحق الأصالة و ) ما عليه ( بحق الكفالة ) لقوة الأول وضعف الثاني ( لأن الأول دين ) عليه .
( والثاني مطالبة ) بلا دين ( ثم هو تابع ) فوجب صرف المؤدي عن الأقوى تقديما له على الأضعف على ما هو مقتضى العقل والعادة . لا يقال : إن هذا يقتضي أن على قول من يجعل الدين على الكفيل مع المطالبة يكون المؤدي بينهما كما هو قول طائفة من مشايخنا ، ونقله ابن قدامة عن الأئمة الثلاثة لهذا إلا أن يصرفه بنيته أو بلفظه إلى أحدهما . لأنا نقول : الحكم عندنا ما ذكرنا من غير خلاف عندنا ، فإن الدين الثابت عليه بطريق الكفالة ليس بقوة الكائن عليه بطريق الأصالة ; ألا ترى أن المريض إذا اشترى في مرض موته شيئا كان من جميع المال ، ولو كفل كان من الثلث .
وأيضا لو اشترى المريض وعليه دين جاز ، ولو كفل وعليه دين لا يجوز . وأما كونه يصرف بنيته . قلنا : التعيين في الجنس الواحد لغو وهذا دين واحد ، حتى لو كان نصف الدين بقرض مثلا ونصفه ببيع وعين صح إذ في الجنسين يعتبر تعيينه لأنه حينئذ مفيد .
ثانيهما ( أنه لو وقع في النصف عن صاحبه ) للكفالة كان له أن يرجع عليه به ( فلصاحبه أن يرجع ) بعين ما رجع عليه به المؤدي ( لأن أداء نائبه ) يعني كفيله بأمره ( كأدائه [ ص: 229 ] بنفسه ) ، ولو أدى بنفسه يرجع فكذا بنائبه ، لكن إذا جعله كله عن صاحبه فنقول بذلك ليرجع بجميع ما رجع به صاحبه ، وإلا لم يكن له أن يرجع إلا بنصف ما رجع به صاحبه . بيانه أدى الأول مائتين يرجع بنصفها لأنه في إحدى المائتين أصيل ، فإذا رجع به على صاحبه لم يقدر صاحبه أن يرجع بكلتيهما إلا إذا اعتبر نفسه مؤديا كلها عن صاحبه المؤدي حقيقة وإلا لم يرجع إلا بنصفها ، لأنه لو أداها حقيقة بنفسه انصرف منها خمسون إلى ما عليه أصالة وخمسون إلى ما عليه كفالة ، وإنما يرجع بما عليه من الكفالة ( فيؤدي إلى الدور ) وما يؤدي إليه ممتنع فيمتنع رجوعه فلم يقع عن صاحبه وإلا تغير حكم الشرع ، إذ الوقوع عن صاحبه حكمه جواز الرجوع ، وقد علمت أنه امتنع للدور .
واعلم أن ليس المراد حقيقة الدور فإنه توقف الشيء على ما يتوقف عليه ، ورجوع المؤدي ليس متوقفا على رجوع صاحبه ، بل إذا رجع للآخر أن يرجع ولا يلزم كونه في مال واحد بل إن شاء أعطاه ما أخذ منه ، فإذا رجع الآخر استفاده أو أعطاه غيره ، كذا الأول فاللازم في الحقيقة التسلسل في الرجوعات بينهما فيمتنع الرجوع المؤدي إليه . والحق أن هذا الوجه باطل لأن رجوع المؤدي عنه لا يمكن أن يسوغه شرعا اعتبار المؤدي عنه أنه أدى بنفسه واحتسبه عن المؤدي ; لأنه اعتبار باطل يؤدي إلى أن المؤدي عنه يرجع على المؤدي عنه بمثل ما أدى إلى الطالب ، وهو نقيض ما يقطع به من الشرع أن المؤدي هو الذي يرجع على المؤدي عنه بمثل ما أدى ، وكيف يكون أداء الإنسان عن غيره سببا لأن يرجع عليه ذلك الغير بمثل آخر ، هذا مجازفة عظيمة .