[ ص: 286 ] قال ( ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحقوق إذا شهد به عنده ) للحاجة على ما نبين ( فإن شهدوا على خصم حاضر حكم بالشهادة ) لوجود الحجة ( وكتب بحكمه ) وهو المدعو سجلا ( وإن شهدوا به بغير حضرة الخصم لم يحكم ) لأن القضاء على الغائب لا يجوز ( وكتب بالشهادة ) ليحكم المكتوب إليه بها وهذا هو الكتاب الحكمي ، [ ص: 287 ] وهو نقل الشهادة في الحقيقة ، ويختص بشرائط نذكرها إن شاء الله تعالى ، وجوازه لمساس الحاجة لأن المدعي قد يتعذر عليه الجمع بين شهوده وخصمه فأشبه الشهادة على الشهادة . وقوله في الحقوق يندرج تحته الدين والنكاح والنسب والمغصوب والأمانة المجحودة والمضاربة المجحودة لأن كل ذلك بمنزلة الدين ، وهو يعرف بالوصف لا يحتاج فيه إلى الإشارة ، ويقبل في العقار أيضا لأن التعريف فيه بالتحديد .
( باب كتاب القاضي إلى القاضي )
هذا أيضا من أحكام القضاء غير أنه لا يتحقق في الوجود إلا بقاضيين فهو كالمركب بالنسبة إلى الحبس ، والعمل بكتاب القاضي إلى القاضي على خلاف القياس لأنه لا يزيد على إخباره بنفسه ، والقاضي لو أخبر قاضي [ ص: 286 ] البلد الأخرى بأنه ثبت عنده ببينة قبلها حق فلان على فلان الكائن في بلد القاضي الآخر لم يجز العمل به لأن إخبار القاضي لا يثبت حجة في غير محل ولايته فكتابه أولى أن لا يعمل به ، لكنه جاز بإجماع الصحابة والتابعين لحاجة الناس إلى ذلك ، فإن الإنسان قد لا يقدر على أن يجمع بين شهوده والمدعى عليه بأن كان في بلدين فجوز إعانة على إيصال الحقوق لمستحقيها وما وجه القياس به لما فيه من شبهة التزوير فإن الخط والختم يشبه الخط والختم فليس بذاك لأن هذه الشبهة منتفية باشتراط شهادة الشهود على نسبه ما فيه إلى القاضي المرسل وأنه ختمه . وقيل أصله ما روى الضحاك بن سفيان { nindex.php?page=hadith&LINKID=84360أنه عليه الصلاة والسلام كتب : أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها } رواه أبو داود والترمذي وأجمع الفقهاء عليه . لا يقال : لا نسلم مساس الحاجة إلى كتاب القاضي لأن الشاهدين على الكتاب يجوز أن يشهدا على شهادة الأصول ويؤدون عند القاضي الثاني فلم يحتج إليه لأنا نقول : في الشهادة على الشهادة يحتاج القاضي الثاني إلى تعديل الأصول وقد يتعذر ذلك في بلده ، وبالكتاب يستغني عن ذلك لأنه يكتب بعدالة الذين شهدوا عنده .
( قوله ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحقوق ) أي التي تثبت مع الشبهات ، بخلاف الحدود والقصاص ( إذا شهد به ) أي بالكتاب ( عند القاضي ) المكتوب إليه على ما نبين من أن المشهور فيه ما هو عن قريب .
ثم فصل فقال ( فإن شهدوا على خصم حاضر حكم بالشهادة ) يريد بالخصم الحاضر من كان وكيلا من جهة المدعى عليه أو مسخرا وهو من ينصبه القاضي وكيلا عن الغائب ليسمع الدعوى عليه ، وإلا لو أراد بالخصم المدعى عليه لم يبق حاجة إلى الكتاب إلى القاضي الآخر ، لأن الخصم حاضر عند هذا القاضي وقد حكم عليه ( و ) إذا حكم ( كتب بحكمه ) إلى قاضي البلد التي فيها الموكل ليقتضي منه الحق ( و ) هذا الكتاب المتضمن للحكم ( هو المدعو سجلا ) في عرفهم ( وإذا شهدوا بلا خصم حاضر لم يحكم ) لأنه حينئذ قضاء على غائب ( و ) إنما ( يكتب بالشهادة إلى القاضي الآخر ليحكم ) هو ( بها وهذا هو الكتاب الحكمي ) في عرفهم نسبوه [ ص: 287 ] إلى الحكم باعتبار ما يئول ( وهو في الحقيقة نقل الشهادة ) إلى ذلك القاضي ، وسنذكر شروط الحكم من القاضي الثاني به .
والفرق بين الكتابين أن السجل يلزم العمل به وإن كان المكتوب إليه لا يرى ذلك الحكم لصدور الحكم في محل مجتهد فيه ، والكتاب الحكمي لا يلزم إذا كان يخالفه لأنه لم يقع حكم في محل اجتهاد فله أن لا يقبله ولا يعمل به ( ويندرج في الحقوق الدين والنكاح والنسب والمغصوب والأمانة المجحودة والمضاربة المجحودة لأن كل ذلك بمنزلة الدين ، وهو يعرف بالوصف غير محتاج إلى الإشارة ) واستشكل بأن في دعوى النكاح لا بد من الإشارة إلى الرجل وإلى المرأة ، وكذا في الأمانة والمغصوب فكانت هذه بمنزلة الأعيان المدعى بها . وأجيب بأن المدعى به نفس النكاح والغصب ونحوه ، وذلك لا يحتاج إلى الإشارة لأنها من الأفعال ، وإن كان يلزم في ضمنه الإشارة إلى الرجل والمرأة إذ كل خصم ، والإشارة إلى الخصم شرط . ولا يخفى ما فيه لأن الإشارة إذا لزمته بأي طريق كان ضمنا أو قصدا تتعذر على شهود القاضي الكاتب . فالحق أن الإشارة لا تلزم من الأصول إلى الخصم الغائب ، بل يشهدون على مسمى الاسم الخاص والنسب والشهرة ، فإذا وصل الكتاب هناك يقع التعيين كما سنذكر إن شاء الله تعالى فيكتب فيها كما يكتب في الدين والعبد ( ويقبل في العقار أيضا ) إذا بين حدودها الأربع ( لأن التعريف يحصل به )