[ ص: 300 ] قال ( وإذا رفع إلى القاضي حكم حاكم أمضاه إلا أن يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع بأن يكون قولا لا دليل عليه . وفي الجامع الصغير : وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي ثم جاء قاض آخر يرى غير ذلك أمضاه ) .
[ ص: 301 - 303 ] والأصل أن القضاء متى لاقى فصلا مجتهدا فيه [ ص: 304 ] ينفذه ولا يرده غيره ، لأن اجتهاد الثاني كاجتهاد الأول ، وقد يرجح الأول باتصال القضاء به فلا ينقض بما هو دونه .
( قوله وإذا رفع إلى القاضي حكم حاكم أمضاه إلا أن يخالف الكتاب أو السنة ) المشهورة ( أو الإجماع بأن يكون قولا لا دليل عليه ) وفي بعض نسخ nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري : أو يكون قولا إلخ ( وفي الجامع الصغير : وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي ثم جاء قاض آخر يرى غير ذلك أمضاه ) قالوا : إنما أعاده لأن في عبارة الجامع فائدتين ليستا في nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري : إحداهما تقييده بالفقهاء ، أفاد أنه لو لم يكن عالما بالخلاف لا ينفذ . قال شمس الأئمة : وهو ظاهر المذهب وعليه الأكثر .
والثانية : التقييد بكون القاضي يرى غير ذلك ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري لم يتعرض لهذا فيحتمل أن يكون مراده أنه إذا كان رأيه في ذلك موافقا لحكم الأول أمضاه ، وإن كان مخالفا له لا يمضيه ، فأبانت رواية الجامع أن الإمضاء عام فيما سوى المستثنيات سواء كان ذلك مخالفا لرأيه أو موافقا : يعني بالطريق [ ص: 301 ] الأولى ، ولا يخفى أنه لا دلالة في عبارة الجامع على كونه عالما بالخلاف ، وإنما مفاده أن ما اختلف فيه الفقهاء في نفس الأمر فقضى القاضي بذلك الذي اختلف فيه عالما بأنه مختلف فيه ، أو غير عالم فإنه أعم من كونه عالما ، ثم جاء قاض آخر يرى خلاف ذلك الذي حكم به هذا أمضاه فربما يفيد أن الثاني عالم بالخلاف ، وليس الكلام فيه فإن هذا هو المنفذ والكلام في القاضي الأول الذي ينفذ هذا الآخر حكمه ، وليس فيه دليل على أنه كان عالما بالخلاف بطريق من طرق الدلالة .
نعم في الجامع التنصيص على أنه ينفذه وإن كان خلاف رأيه ، وكلام nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري يفيده أيضا فإنه قال : إذا رفع إليه حكم حاكم أمضاه وهو أعم ينتظم ما إذا كان موافقا لرأيه أو مخالفا ، وإنما في الجامع النصوصية عليه إذا كان مخالفا .
وقوله إلا أن يخالف إلخ حاصله بيان شرط جواز الاجتهاد ، ومنه يعلم كون المحل مجتهدا فيه حتى تجوز مخالفته أو لا ، فشرط حل الاجتهاد أن لا يكون مخالفا للكتاب أو السنة : يعني المشهورة ، مثل { nindex.php?page=hadith&LINKID=13922البينة على المدعي واليمين على من أنكر } فلو قضى بشاهد ويمين لا ينفذ ويتوقف على إمضاء قاض آخر ذكره في أقضية الجامع ، وفي بعض المواضع ينفذ مطلقا ، ثم يراد بالكتاب المجمع على مراده أو ما يكون مدلول لفظه ولم يثبت نسخه ولا تأويله بدليل مجمع عليه .
فالأول مثل { حرمت عليكم أمهاتكم } الآية ، لو قضى قاض بحل أم امرأته كان باطلا لا ينفذ . والثاني مثل { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } ولا ينفذ الحكم بحل متروك التسمية عمدا ، وهذا لا ينضبط فإن النص قد يكون مؤولا فيخرج عن ظاهره ، فإذا منعناه يجاب بأنه مؤول بالمذبوح للأنصاب أيام الجاهلية فيقع الخلاف في أنه مؤول أو ليس بمؤول ، فلا يكون حكم أحد المتناظرين بأنه غير مؤول قاضيا على غيره بمنع الاجتهاد فيه . نعم قد يترجح أحد القولين على الآخر بثبوت دليل التأويل فيقع الاجتهاد في بعض أفراد هذا القسم أنه مما يسوغ فيه الاجتهاد أو لا ، ولذا نمنع نحن نفاذ القضاء في بعض الأشياء ويجيزونه وبالعكس ، ولقد نقل الخلاف في الحل عندنا أيضا وإن كان كثير لم يحكوا الخلاف . ففي الخلاصة في رابع جنس من الفصل الرابع من أدب القاضي قال : وأما القضاء بحل متروك التسمية عمدا فجائز عندهما ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لا يجوز انتهى .
وأما عدم تسويغ الاجتهاد بكونه مخالفا للإجماع وسواء كان ذلك على الحكم أو على تأويل السمعي أو بنقل عدم تسويغ فقهاء العصر اجتهاده ، وذلك مثل اجتهاد nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في جواز بيع الدرهم بالدرهمين لم يقبله الصحابة منه ، فلو قضى به قاض لا ينفذ حتى روي أنه رجع عنه ، وهذا هو مراد المصنف بقوله وفيما اجتمع عليه الجمهور لا يعتبر مخالفة البعض ، ولا يعني أنه لا يعتبر في انعقاد الإجماع بل لا يعتبر في جواز الاجتهاد ، ولم يرد بالبعض ما دون النصف أو ما دون الكل بل الواحد والاثنين وإلا لم يعتبر قضاء في محل مجتهد فيه أصلا ، إذ ما من محل اجتهاد إلا وأحد الفريقين أقل من الفريق الآخر ، إذ لا يضبط تساوي الفريقين ولذا لم يمثلوه قط إلا بخلاف nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ونحوه ، وهو خلاف رجل واحد ، فالمراد إذا اتفق أهل الإجماع على حكم فخالفهم واحد لا يصير المحل بذلك محل اجتهاد حتى لا ينفذ القضاء بقوله ذلك الواحد في مقابلة قول الباقين ، ثم هذا أعم من كونهم سوغوا اجتهاده ذلك أو لا .
والذي صححه شمس الأئمة واختاره أن الواحد المخالف إن سوغوا له [ ص: 302 ] اجتهاده لا يثبت حكم الإجماع ، وإن لم يسوغوا لا يصير المحل مجتهدا فيه . قال : وإليه أشار nindex.php?page=showalam&ids=14330أبو بكر الرازي لأن ذلك كما قال المصنف خلاف لا اختلاف . ثم قال المصنف : المعتبر الاختلاف في الصدر الأول : يعني أن يكون المحل محل اجتهاد يتحقق الخلاف فيه بين الصحابة . وقد يحتمل بعض العبارات ضم التابعين ، وعليه فرع الخصاف أن للقاضي أن ينقض القضاء ببيع أم الولد لأنه مخالف لإجماع التابعين . وقد حكي في هذا الخلاف عندنا ، فقيل هذا قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد ، أما على قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف فيجوز قضاؤه ولا يفسخ .
وفي النوازل عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لا ينفذ القضاء به ، فاختلفت الرواية عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف . وقال شمس الأئمة السرخسي : هذه المسألة تنبني على أن الإجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم عند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد . وعند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف لا يرفع : يعني اختلفت الصحابة في جواز بيعهن ، فعن nindex.php?page=showalam&ids=8علي الجواز nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر وغيره على منعه ، ثم أجمع التابعون على عدم جواز بيعهن فكان قضاء القاضي به على خلاف الإجماع عند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد فيبطله الثاني .
وعندهما لما لم يرفع اختلاف الصحابة وقع في محل الاجتهاد فلا ينقضه الثاني ، ولكن قال القاضي أبو زيد في التقويم : إن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمدا روى عنهم جميعا أن القضاء ببيع أم الولد لا يجوز ، فقد علمت ما هنا من تشعب الاختلاف في الرواية .
وبناء على اشتراط كون الخلاف في الصدر الأول في كون المحل اجتهاديا قال بعضهم : إن للقاضي أن يبطل ما قضى به القاضي المالكي والشافعي برأيه : يعني إنما يلزم إذا كان قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أو nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وافق قول بعض الصحابة أو التابعين المختلفين فلا ينقض باعتبار أنه مختلف بين الصدر الأول لا باعتبار أنه قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، فلو لم يكن فيها قول الصدر الأول بل الخلاف مقتضب فيها بين الإمامين للقاضي أن يبطله إذا خالف رأيه .
وعندي أن هذا لا يعول عليه ، فإن صح أن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبا حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي مجتهدون فلا شك في كون المحل اجتهاديا وإلا فلا ، ولا شك أنهم أهل اجتهاد ورفعة ، ولقد نرى في أثناء المسائل جعل المسألة اجتهادية ، بخلاف بين المشايخ حتى ينفذ القضاء بأحد القولين فكيف لا يكون كذلك إذا لم يعرف الخلاف إلا بين هؤلاء الأئمة ، يؤيده ما في الذخيرة عن الحلواني أن الأب إذا خلع الصغيرة على صداقها ورآه خيرا لها بأن كانت لا تحسن العشرة مع زوجها فإن على قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك يصح ويزول الصداق عن ملكها ويبرأ الزوج عنه ، فإذا قضى به قاض نفذ . وفي حيض منهاج الشريعة عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فيمن طلقها فمضى عليها ستة أشهر لم تر دما فإنها تعتد بعده بثلاثة أشهر ، فإذا قضى بذلك قاض ينبغي أن ينفذ لأنه مجتهد فيه ، إلا أنه نقل مثله عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : وهذه المسألة يجب حفظها لأنها كثيرة الوقوع ، ثم ذكر في المنتقى أن العبرة بكون المحل مجتهدا فيه اشتباه الدليل لا حقيقة الخلاف . قال : ألا ترى أن القاضي إذا قضى بإبطال طلاق المكره نفذ لأنه مجتهد فيه لأنه موضع اشتباه الدليل إذ اعتبار الطلاق بسائر تصرفاته ينفي حكمه ، وكذا لو قضى في حد أو قصاص بشهادة رجل وامرأتين ثم رفع إلى قاض آخر يرى خلاف ذلك ينفذه ، وليس طريق القضاء الأول كونه في مختلف فيه ، وإنما طريقه أن القضاء الأول حصل في موضع اشتباه الدليل لأن المرأة من أهل الشهادة ، إذ ظاهر قوله تعالى { فرجل وامرأتان } يدل على جواز شهادتهن مع الرجال مطلقا وإن وردت في المداينة لأن العبرة لعموم اللفظ ، ولم يرد نص قاطع في إبطال شهادة النساء في هذه الصورة ; ولو قضى بجواز نكاح بلا شهود نفذ لأن المسألة مختلف فيها ، nindex.php?page=showalam&ids=16867فمالك nindex.php?page=showalam&ids=16542وعثمان البتي يشترطان الإعلان لا الشهود ، وقد اعتبر خلافهما لأن الموضع موضع اشتباه الدليل ، إذ اعتبار النكاح بسائر [ ص: 303 ] التصرفات يقتضي أن لا تشترط الشهادة انتهى .
ولا يخفى أنه إذا كانت معارضة المعنى للدليل السمعي النص توجب اشتباه الدليل فيصير المحل محل اجتهاد ينفذ القضاء فيه ، فكل خلاف بين nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك أو بيننا وبينهم أو أحدهم محل اشتباه الدليل حينئذ إذ لا يخلو عن مثل ذلك فلا يجوز نقضه من غير توقف على كونه بين الصدر الأول ، ولا بأس بذكر مواضع نص فيها أهل المذهب بعينها إذا قضى القاضي بالقصاص يحلف المدعي أن فلانا قتله وهناك لوث من عداوة ظاهرة كقول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك لا ينفذ لمخالفة السنة المشهورة { nindex.php?page=hadith&LINKID=13922البينة على المدعي واليمين على من أنكر } مع أن معه ظاهرا في حديث محيصة وحويصة نذكره في القسامة إن شاء الله تعالى رب العالمين .
وحكى في الفصول فيما إذا زنى بامرأة ثم تزوج بنتها فقضى بجوازه خلافا عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لا ينفذ للنص عليه ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد يجوز ، وبصحة السلم في الحيوان ينفذ ، وينفذ بالقرعة في رقيق أعتق الميت واحدا منهم وبالشهادة لأبيه ، وعكسه ينفذ عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ولا ينفذ عند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد ، وبالشهادة على الشهادة فيما دون مدة السفر نفذ وبشهادة شهود على وصية مختومة من غير أن يقرأها عليهم الميت أمضاه الآخر وبصحة النكاح الموقت بأيام نفذ ولو عقدا موقتا بلفظ المتعة ، نحو متعيني بنفسك عشرة أيام لا ينفذ .
أما إذا كان نفس القضاء مجتهدا فيه فهذه فريعات منه ، وأصله أن الخلاف إذا كان في نفس القضاء والواقع توقف على إمضاء قاض آخر فإن أمضاه ليس للثالث نقضه لأن قضاء الثاني هو الذي وقع في مجتهد فيه : أعني قضاء الأول . وعليه فرع إذا قضى بالحجر على المفسد للفساد لا ينفذ لتحقق الخلاف في القضاء فيتوقف على إمضاء قاض آخر ، وقيل أن يمضي الثاني نقضه لأنه ليس قضاء في مجتهد فيه ، وكذا لو قضى لامرأته بشهادة رجلين فالقاضي الثاني مخير بين أن يجيزه أو يرده لأن الخلاف وقع في نفس القضاء ، ومنه ما لو قضى المحدود أو الأعمى .
وأما قضاء السلطان في أمر فالأصح أنه ينفذ ، وقيل لا ينفذ . فعلى القول بأنه لا ينفذ يحتاج في نفاذه إلى أن ينفذه قاض آخر . وقيل في مسألة الحجر في صحة نقض الثاني إن قضاء الأول ليس بقضاء لعدم المقضي له وعليه نفذ قضاء الثاني بإطلاقه عن الحجر .
( قوله والأصل ) حاصله توجيه [ ص: 304 ] أن القاضي الثاني ينفذ خلاف رأيه في المرفوع إليه وهو أن اجتهاد الثاني في البطلان كاجتهاد الأول في الصحة مثلا فتعارض اجتهاداهما وترجح الأول باتصال القضاء به فلا ينقضه الثاني باجتهاد هو دونه .